فعلت الدوحة كل ما عليها، هيأت العشب وأكرمتها السماء بغيوم ماطرة وأجواء مناسبة للركض حتى كأن الفتحة على حرف الطاء في قطر استحالت سكونا فصارت قطر: قطرا، واستعاد سيبويه بعضا من أمجاده الغابرة: ألم أقل لكم إن السكون حركة! غير أن الدوحة جاءت بلا أطيار عربية كأنها مغاني الشعب في فم المتنبي وفي عينيه فقد كان العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان فعلا! كان السقوط مدويا، وكان سقوط الصقور الخضر الأشد دويا، وفي ذلك بعض العزاء، فلا يكون السقوط مدويا لو لم يكن المكان شاهقا أصلا، كما أنني أزعم أن سقوط بقية المنتخبات العربية جاء بأثر من سقوط المنتخب السعودي وكأن الجميع لقي عذره جاهزا فيما لو انهزم بعد ذلك، لكنني وبعيدا عن هذا العزاء العاطفي المتكئ على تلاعب بالكلمات والمعاني أفكر في هزائمنا المنكرة وأكتب: خسرت الكويت لأنها كشفت كل أوراقها في بطولة الخليج وتقدمت إلى السوق الآسيوي بحلوى مكشوفة، وخرجت سورية لأنها قررت اختصار البطولة في مباراة واحدة هي مباراتها مع المنتخب السعودي ولأنها أتت إلى البطولة بحماس دون تكتيك واضح، وخسرت البحرين لأن لاعبيها لا يريدون لعب كرة القدم على الأرض إنهم يرفعون الكرة عاليا حتى حين يلتقون بلاعبين من نوعية لاعبي أستراليا طوال القامة، كما أنني أظن أن المنتخب البحريني جاء مثقلا بسوء الحظ من منافسات سابقة فاستسلم سريعا لما ظنه قدرا مرسوما له وعليه، وخسرت الإمارات رغم تقديمها أفضل العروض العربية مع مناقضة حصاد النقاط لرأيي هذا، لكنني بالفعل تابعت منتخبها بمحبة وإعجاب، وأظن أنه كان بالإمكان للمنتخب الإماراتي حصد ما هو أكثر بكثير من نقطة واحدة فيما لو كانت شجاعة المسؤولين عن كرة القدم الإماراتية أعظم شأنا، فغالبية المواهب الشابة التي ضمها المنتخب ظلت تلعب بإمتاع لسنوات على مستوى الناشئين والشباب والأولمبي بصحبة مدرب إماراتي داهية، ليتهم أبقوه مع تلاميذه ولاعبيه لكنهم أرادوا قطف الثمار واستبعاد الزارع لمجرد أنه قادم من رأس الخيمة وليس من أوروبا أو أمريكا اللاتينية، أما قطر فقد كان من الواضح رغم الحماسة والجهد والرغبة أنها ستخرج في أول حوار كروي يوصل فيه الخصم الكرات داخل الصندوق بأكثر عدد ممكن وهو عيب في المدرب ليس إلا فلا شيء يبين أهمية المدرب قدر نجاحه في التنظيم الدفاعي وكل ما عدا ذلك يمكن أن تحله مهارة اللاعبين، وخرجت العراق لأن شارة الكابتنية أثقلت على يونس محمود فتفرغ لكل شيء باستثناء المرمى، وخرجت الأردن بطريقة عجيبة فقد حدث للاعبين ما يشبه التنويم المغناطيسي لمدة خمس دقائق أما منتخبنا السعودي فقد خرج من البطولة لأنه لم يدخلها أصلا! كانت دوحة العرب أجمل بكثير من عرب الدوحة! صندوق بريد: 375225 الرياض الرمز البريدي: 11335 [email protected]