تكمن القراءة العميقة لعلاقة الرجل بالمرأة من خلال الظرفية التي جعلها الله سبحانه إطارا للوجود في هذه الدنيا، إذ يحوي الإطار الظرفي بشقيه، الزماني والمكاني، هذا الكون الفسيح، وذلك من خلال سمتي الحركة والسكون اللتين هما سمتان من سمات الظرفية، فكل شيء متحرك في هذا الكون إنما يتحرك بقيمة زمنية، خلافا للساكن من الأشياء، ففي سكونه نزوع إلى المكان والبقاء. وفقا لهذا التصور الفيزيائي أستطيع القول بأن الرجل متحرك والمرأة ساكنة، وبالتالي فالرجل كائن زماني، في حين تبدو المرأة كائنا مكانيا، ولهذا نرى الرجل أكثر صراعا مع الزمن، وأكثر حركة من المرأة، فهو ينزع إلى كل مفردات الرحيل والتنقل، وعلى العكس منه تماما تبدو علاقة المرأة مع الزمن، فهي أقل حركة وأكثر سكونا، ومن هنا كانت المرأة أداة استقرار وسكون، وتنزع دائما إلى المفردات الثابتة، فهي كائن مكاني، حضن دافئ، أو ذاكرة تستقر فيها الحكايات والقصص، وقبل ذلك كله هي سكن للرجل، وصفها الله بذلك وجعل فيها هذه الخاصية لتكون وطنا يستقر فيه بعد عنائه وصراعه مع الزمن. فإذا ما نظرنا إلى علاقة كل منهما بالظرف الوجودي، وجدنا أن انحياز الرجل للزمن، وحركته الزمنية الدائبة، رحيلا إثر رحيل، يحيله إلى كائن مناضل في سبيل البقاء، بحيث يصارع الزمن، ويفتش في زوايا الحياة عن ملاذ آمن، ولذا فهو أكثر عرضة للموت من المرأة، وهو ما يفسر طول أعمار النساء قياسا بأعمار الرجال، وفي الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وسلم «لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم ويظهر الجهل ويقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون قيم خمسين امرأة رجل واحد». في الطرف المقابل تبدو المرأة هادئة وديعة، بحيث تلتصق بالمكان أكثر، تساعدها طبيعتها الخلقية وظروفها النفسية على هذه الدعة والسكون، فتقل حركتها قياسا بالرجل، وهذا يمنحها طاقة أكبر على أن تكون وطنا، كما كانت حضنا من قبل، فتقيم علاقتها مع المكان الثابت، وتكتسب بذلك صفة المكان في ثبوته، وذلك سر بقائها فترة أطول، بحكم أنها أقل عرضة للمخاطر والأحداث التي تزهق فيها النفوس. من جهة أخرى يمكن بناء على ما سبق، أن نفهم لم يبد الرجل أكثر حنينا إلى الأماكن القديمة، في حين لا تتمتع المرأة بهذه الصفة، برغم أنها أكثر عاطفة من الرجل، وأكثر التصاقا بالأمكنة منه، فالسبب، في رأيي، يرجع إلى ما ذكرت في بدء هذه المقالة، من أن المرأة سكن، أي أنها مكان، والمكان ذاكرته كامنة فيه، كما أن الرجل حين يقف على الأمكنة ويسترجع ذكرياته القديمة ويحن إلى مراتع صباه الأولى، فهو يفعل ذلك استجابة لأثر زمني لا إلى الأمكنة ذاتها، خلافا للمرأة التي بإمكانها أن تصنع لها مكانا جديدا، وأن تنبت في كل أرض لتكون فيما بعد شجرة وارفة الظلال مأوى للطيور التي تأوي إليها قاصدة الأعشاش بين فروعها المتشابكة. هذا كله يقود إلى تأكيد «تاريخية» الرجل في مقابل «جفرافية» المرأة، وذلك على اعتبار أن التاريخ عمق زمني يمتد عبر حركة زمنية متتابعة تتشكل منها مادة التاريخ متمثلة في أحداثه المتتابعة، في حين تعتبر الجفرافيا ذات طابع مكاني، بدءا بالمناخ وانتهاء بالتضاريس التي هي وعاء التاريخ ومحضنه كما هو حال المرأة مع الرجل، حيث جعلها الله «وعاء» ليس للرجل فحسب، وإنما للإنسان بشكل عام، ثم جعلها سكنا للرجل بشكل خاص يمنحه الدفء والطمأنينة والسكون، {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.