هل قرأتم خبر الشاب الذي وقف على برج الاتصالات في محافظة الوجه، مطالبا بسيارة فاخرة وبداخلها فتاة أو الانتحار برمي نفسه من فوق البرج؟ هو خبر علينا أن لا نتركه يعبرنا ضمن المسليات التي تتناقلها وسائل الإعلام في صورها الظاهرة من غير دراسة عمقها والأسباب المؤدية لحدوثها، فهذا التصرف هو إشعار بما تعنيه أحلام الشباب من تعطل في بنيتها الثقافية وإعادة لزمن الأساطير بصورة جبرية. فالموروث الشعبي يحمل لنا جملة أدوات سحرية تحقق الأحلام. فكل المرويات التي وردت في كتاب ألف ليلة وليلة على سبيل المثال ساردة حكاية الفقراء لم تجد منفذا لتحقيق الأحلام إلا من خلال مصباح علاء الدين، أو خاتم سليمان، أو جني يتبرع بتحقيق ما لم يتحقق، أو ساحرة باحثة عن تعطيل (أو تحريك) الحكاية.. وحلم الخروج من ضيق ذات اليد لا يقف عند زمان من الأزمنة، فكل الرغبات تقف متزاحمة في رأس كل مخلوق.. وهذا الرأس يتحرك في الحياة بما فيه من وعي وإدراك للمسببات وإيجادها على أرض الواقع، كالشاطر حسن أو السندباد اللذين وجدا في اختراق الحياة بالعمل أساسا لتحقيق الرغبات، بينما هناك رأس ينتظر ساحرة عابرة أو قمامة يبعثرها ليجد فيها خاتما أو مصباحا ويفركه ليطلب ما يتمنى ويعيش في سعادة أبدية. وبين العمل والاسترخاء مسافة شاسعة يقطعها الإنسان وفق مفهومه الحياتي لهذين الشقين المؤديين للأحلام. والشاب الذي أراد السيارة الفاخرة وعروس الأحلام أو الموت دون ذلك، هو ممن لم يجد وسيلة تعبر به إلى ضفة حلمه سوى التهديد بإزهاق روحه ما لم تتحقق أحلامه.. وهي أحلام ضبابية تتفق مع عمره العشريني الذي تنتهي أحلامه بفتاة يحبها ووسيلة نقل تتنقل بهما على أرض البسيطة، من غير التفكير بمتطلبات العصر كالمنزل والأرصدة البنكية التي تبقي الفتاة بجواره الى أبعد مسافة من وجوده الحياتي.. أي أن الشاب استعار من الأساطير الجزء الأول من تحقيق بنية الحكاية، (وهو الجزء العاطفي) الذي تنتهي عنده كل الحكايات وتسدل ستائرها بجملة (وعاشوا في سعادة ونبات وخلفوا صبيان وبنات)، بينما لو فتحت الحكاية ستائرها بعد التقاء المحبين فسوف نجد مرارة الحياة في كيفية إبقاء تلك السعادة مستمرة. وتهديد الشاب بالانتحار هو عنوان لانتحار أحلام آلاف الشباب.. فهم عاجزون واقعيا عن تحقيق ما يحلمون به على أرض الواقع، لذلك تجد أنهم يسافرون إلى أحلامهم من خلال وسائل متعددة استبدلوا فيها خاتم سليمان بالمخدرات (كمثال مادي) أو أحلام اليقظة (من غير التحرك للأمام، بل البقاء في الأوهام كنموذج للإحباط)، أو من خلال جرائم صغيرة أو كبيرة (كانحراف للحلم المثالي).. ولم ينتقلوا إلى خانة العمل لأن مساحة العمل ضاقت، وإن وجدت فهي لا تحقق أبعد من الاكتفاء البسيط واليسير من الحياة الدنيا، والتي لا تطال كل مباهج الحياة التي يراها الشاب فيما يقرأ ويشاهد. فما يشاهده الشاب من مباهج الحياة البعيدة عن يده يتم إسقاط الزمن، بمعنى أنه يشاهد الخاتمة أو الثمرة في حياة الميسورين والقادرين، وهو لا يريد أن يعبر الطريق الطويل لتحقيق أحلامه، يريد أن يصل بسرعة، فرتم الحياة المتسارع لا يجعله يتمكن من تقدير الزمن في تحقيق أحلامه، وهذا منتج لزمن السرعة الذي نعيشه، والذي يؤدي إلى الافتراق بين الحياة والحلم، ويكون ثمنه إزهاق الروح كثمن لتحقيق حلم ضبابي.. وللمرة المليون، انتبهوا للشباب فهم يتأرجحون. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 159 مسافة ثم الرسالة