«وصلت الى الحاجز، وغابت مشاهد الصباح، ووقفت مذهولة. تكورت عيناي، وانفجرت شفتاي، فلا يوجد أي جندي، وتبخرت المتاريس الإسمنتية. والناس -على غير عادتهم- يضحكون ويتبادلون التحيات الصباحية، ولا أحد يصرخ، ولا أطفال يبكون ولا طالب متأخراً، ولا امرأة طاعنة في السن تنتظر شفقة. يمكنني الآن أن أصل من دون تأخير، كنت مذهولة، لأول مرة أشعر بأنني إنسانة. وما دامت الحواجز والحدود الفاصلة قد اختفت فسأعوض ما فاتني، سأتجول اليوم في شوارع مدينتي لأنني اشتقت إليها فعلاً، وسأتحرك بحريتي». كانت الشابة إكرام أبو عيشة (22 سنة)، من مدينة طولكرم في الضفة الغربية، مصدومة من وطن بلا حواجز عسكرية إسرائيلية، فقررت زيارة شاطئ بحر يافا، وزيارة حيفا، قبل أن تصحو من نومها، لتكتشف أن الوطن الجميل ما هو إلا حلم، لذا قررت تجسيده في نص بعنوان «أحلم بوطن وبحر وحياة إنسانية»، ضمه كتاب البوح الشبابي الفلسطيني «ليمون بالنعناع»، وهو أحد مشاريع الهيئة الفلسطينية للإعلام وتفعيل دور الشباب (بيالارا)، بالتعاون مع عدد من المدارس والجامعات والكليات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع عزة. وفي الكتاب نصوص عدة، ترى هانيا البيطار، المديرة العامة ل «بيالارا»، أن الشباب من الجنسين يتحدثون فيه بأنفسهم عن آمالهم وآلامهم، مشيرة إلى أن الكتابات تتمحور حول محاور أربعة هي «الحلم عبر الزمان»، و«ما يحزنني ويشعرني بالاغتراب»، و«لأنني أستحق الحياة»، و«سأصير يوماً ما أريد». وأشرفت عليه لجنة تألفت من مختصين من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). وتولت اللجنة تقييم المساهمات، وتدريب أصحاب الجيدة منها على صقل مهاراتهم الكتابية، وقدراتهم الإبداعية، ضمن حلقات نقاش وتفريغ نفسي، ركزت على المهارات اللغوية والتعبيرية، وإعمال الخيال والعقل، وتهيئة الجو المناسب للكتابة، فخرج «ليمون بالنعناع» الممول من الاتحاد الأوروبي، ومؤسسة كوردايد الهولندية. واقتبس اسم الكتاب من نص يحمل العنوان ذاته لزينة أبو حمدان (19 سنة)، وهي من مدينة القدس، وتتحدث فيه عن نفسها ومدى شغفها الذي قد يصل حد الهوس أو ربما الإدمان بتناول عصير الليمون بالنعناع، لكونه يشعرها بالانتعاش والسعادة ويطفئ حرارة الصيف الملتهب، ما اضطرها للبحث عن طريقة صنعه على شبكة الانترنت، كما تقول. وروت أبو حمدان حكايتها مع الليمون بالنعناع بسلاسة في شكل يلامس حلماً قد يسعى لتحقيقه أي إنسان خارج فلسطين، فكل طموحها أن تتعلم طريقة صنعه لا أكثر ولا أقل. ولم يغفل الإصدار مشاركات شباب وشابات قطاع غزة، فتحت عنوان «أحلم أن أكون... مشهوراً» خط محمد الأسطل (21 سنة) كلماته، واسترسل في أحلامه وقال: «لطالما كنت معجباً بالممثلين ومقدمي البرامج ومراسلي نشرات الأخبار، والمشاهير الذين يظهرون على شاشات التلفاز، وكثيراً ما تخيلت نفسي مكانهم، فكنت أغلق على نفسي باب غرفتي، وأقف أمام المرآة ساعات وساعات، أقلد هؤلاء، فقررت أن أدرس الإعلام». ويضيف: «لطالما تساءلت: كيف سيكون شعوري إذا دخلت الأستوديو؟ وما هو حجمه وشكل المعدات فيه؟ وغيرها من الأسئلة التي كانت تدور في بالي. نعم هذا هو حلمي، أحلم ليل نهار بأن أصبح مشهوراً يشير إليه الجميع بإعجاب وتقدير». وتحت عنوان «لأنني أستحق الحياة!» تحدثت عدلة الناظر (16 سنة) من مدينة الخليل عن مرضها وكيف كانت حكايات البدايات المؤلمة، ووقع صدمة معرفتها بأنها مصابة بمرض «السكري». وتقول: «كان وقع الخبر علي أصعب من امتحان الثانوية العامة، ليتني صرخت أو بكيت. ليت عيني قذفتا ما احتبس بداخلي، أو أن حنجرتي تضخمت وأنا أصرخ، أو حتى تفوهت بكلمة، لكن شيئاً من هذا لم يحدث فقد اكتفيت بالقول: «إذن هو السكري». وتضيف: «أعود دائماً لأحلامي اللازوردية التي لن يعيق دربها مرضي وعراقيله الكثيرة، ستبقى أحلامي الأهم في حياتي، سأصبح مميزة يوماً ما، سأعيش بسعادة مع أهلي وأصدقائي، سأحظى بصحة جيدة، سأمشي بأمن وسلام، سأضع رأسي على وسادتي كل ليلة واستيقظ وقد تركت عليها أحزان اليوم السابق، لأرتدي ثوب أملي وإصراري من جديد، سأحارب هاجس الخوف والفشل والمرض طول حياتي، وأعيش اللحظة فقط، لأنني استحق الحياة». هي خلطة حكايات عادية لشبان وفتيات يعيشون ظروفاً غير عادية، في مبادرة «فضفضة» ذات مذاق خاص فيها الكثير من حموضة الليمون وانتعاش النعناع.