أكثر الناس كأسراب القطا مجبولون على الاقتداء، يسيرون خلف كل ناعق، من صاح بهم ودعاهم تبعوه، سمي داعيهم ناعقا مشبهين بمن قال الله فيهم (... كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ...) لأنهم كالأنعام التي ينعق بها الراعي فتسير خلفه لا تدري إلى أين يذهب بها حتى لو كان إلى حتفها، ولسفه عقولهم وضعفها يميلون مع كل صائح، لم يستضيئوا بنور العلم الذي أساس منبعه التقوى والإيمان ونتيجته الرشاد والعصمة (... إن تتقوا الله يجعل لكم نورا تمشون به ...) فمتى ما استقر العلم في القلب أشرقت بصيرة صاحبه فأضاء ظلامه وزالت عثراته، والمرء أكثر ما يؤتى من قبل ظلمة بصيرته، وضعف إيمانه، وقلة علمه. لزاما على كل عاقل لبيب أن يعلم أين يضع قدمه عند الركوب أهي في السرج أم في السرح، وإن الله لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى، ولم يعذب أحدا لم تقم عليه حجته فالله تعالى يقول (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ولا ينفع عند الله يوم القيامة العذر ب (إنا وجدنا آباءنا على أمة) أو: وجدنا الناس يفعلون ففعلنا، فالله تعالى يقول (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤا منا). وقال الله تعالى (كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار)، يقال ذلك في زمن يدرك العقلاء خطر تهافت الناس على الأخذ بأقول أصحاب الأراجيف والأقوال الشاذة دون تمييز أو تمحيص، ولا دراسة للرواية ولا الدراية. فالوصية للجميع التريث بكل ما يرى المرء ويسمع فإن العصمة المطلقة لأنبياء الله ورسله فيما يبلغون عن الله ومن سواهم فكل يؤخذ من قوله ويرد، ولا يوفق إلا الموفق، ولا يهلك على الله إلا هالك. [email protected]