من أقبح ما يعاني منه المجتمع استغلال أصحاب النفوذ والتأثير، لما هم فيه من مكانة اجتماعية، أو مهنة كسبوية، سواء كان ذلك في أمر من أمور الدين أو الدنيا. استغلال ذلك فيما لا يصلح أو يضر بالنفس والغير، وأعظم من ذلك أن يكون المرء مغلاقا لباب مهم من أبواب الخير، أو لأبواب الخير كلها، وتعظم الجناية كلما عظم ذلك الأمر، فمن يكون سببا في منع الناس من المساجد والتنفير منها ليس كمن يفعل ما هو دون ذلك، وهنا نقف سويا عند قضية مهمة تعني الناس عموما وعلى وجه الخصوص رواد المساجد ومحبو الصلاة فيها وعمارها حسا ومعنى، بل المعلقة قلوبهم فيها، ألا وهي ما يمارسه بعض أئمة المساجد هدانا الله وإياهم وما يقومون به من أقوال وأفعال تجعل الكثير من الناس يحجمون بسببها عن الذهاب إلى المسجد القريب من دورهم، ويذهبون إلى مساجد أخرى بعيدة يتحملون بسبب ذهابهم التعب والمشقة، سواء أخلاق بعض أئمة المساجد، واعتقادهم أن لهم الحق في إحكام القبضة على المسجد، والوصاية عليه، وتصرفهم فيه كيف يشاؤون، وعدم الاكتراث بجماعة المسجد، وعدم تفقدهم، وعدم التلطف لهم بالقول، وعدم تنبيه غافلهم، وعدم تعليم جاهلهم، وعدم مساعدة محتاجهم، وعدم زيارة مريضهم، وعدم السؤال عن غائبهم، وعدم تشجيع وشكر المحافظين منهم، وعدم السلام عليهم، وعدم مؤانستهم، وعدم القرب منهم، وعدم الاقتداء بأضعفهم، والمشقة عليهم في إطالة الصلاة فيما ليس فيه حاجة، كل هذه الأمور وغيرها كثير مما لا يليق بمن دون أئمة المساجد، فضلا عنهم هي السبب الرئيس لتنفير الناس من بيوت الله، وليتذكر من كان هذا حاله من أئمة المساجد قول الله تعالى: «ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها»، ومن نظر إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه في صلاته، وغضبه على معاذ لما أطال الصلاة بالناس وقوله له: «أفتان أنت يا معاذ ....» من نظر إلى ذلك وجهلٍ كثير من أئمة المساجد اليوم يحدوه الأمر وبإلحاح إلى أن يقول: يا أئمة المساجد: ارجعوا إلى التفقه في أحكام الإمامة، وتعلموا واعملوا بما تعلمون، ولا تتخذوا الإمامة مهنة، فإنها منفذ دعوى، ورسالة سامية، كما أنها غنيمة في الدنيا، وأجر في الآخرة، نعمة في حق الصادقين الشرفاء، نقمة في حق الهالكين الأشقياء. وفق الله الجميع. [email protected]