الكبار حقا ليسوا بحاجة للتغني بمناقبهم ومآثرهم، بل الناس هم المحتاجون إلى ذلك ليجعلوا من تلك المآثر والمناقب قدوة ونبراسا. وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز هو من هذا النمط من الرجال الذين يمدحون ليؤثروا لا ليتأثروا، بل إن أفعالهم هي التي تلهم القائلين على حد قول القائل: لولا الكرام وما سنوه من كرم لم يدر قائل شعر كيف يمتدح لا يذكر الأمير نايف إلا ويتبادر (الأمن) إلى الذهن، فقد ارتبط هذا الرجل بالأمن، وارتبط به الأمن حتى صارا شيئا واحدا أو كادا. والمتابع للعطاءات الأمنية لهذه الشخصية الفذة يجدها تندرج في عدة مسارات، منها: المسار العلمي البحثي: ويكفي سموه مبادرته التاريخية بعرض تبني المملكة الكامل لقرار المؤتمر الثاني لقادة الشرطة والأمن العرب القاضي بإنشاء معهد عربي للبحوث والدراسات الشرطية، ثم مبادرته بالدعوة لتطوير هذا المشروع ليتضمن البحوث الخاصة بالدفاع الاجتماعي ضد الجريمة والتدريب، وفي الدورة الرابعة عشرة لمجلس وزراء الداخلية العرب المنعقدة في تونس خلال الفترة من 4 5/1/1997 تم تغيير مسمى المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب إلى: (أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية)، وذلك اعتراف من مجلس وزراء الداخلية العرب بالجهود القيمة التي يبذلها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز في بناء وتطوير المسيرة العلمية للعمل الأمني العربي المشترك. واستمر سموه في تعضيد الدور العلمي والبحثي لهذه الأكاديمية حتى تأهلت لأن تكون جامعة، وبذلك أصدر مجلس وزراء الداخلية العرب في دورته الحادية والعشرين في تونس عام 2004م قراره رقم (407) متضمنا تغيير اسم الأكاديمية ليصبح (جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية). ومنذ ذلك الوقت وهذه الجامعة تعد الرائدة في العالم العربي في أبحاث الأمن والجريمة. وقد زاد عدد الرسائل العلمية التي أعدها طلاب الجامعة عن 500 بحث للماجستير والدكتوراة، فضلا عن خريجي الدبلوم، والدورات التدريبية. وإضافة إلى ذلك أنشأ سموه: (جائزة الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة)، وقد دارت جملة غير قليلة من محاور هذه الجائزة حول موضوعات لها صلة بالأمن ومن ذلك على سبيل المثال الموضوعات المقترحة للدورة السابعة القادمة، حيث كان من موضوعاتها: أحاديث الفتن وأشراط الساعة بين الفهم الصحيح والتأويلات، والمواطنة في الإسلام واجبات وحقوق. ومن هذه المسارات المسار الشمولي: فسموه لم ينظر إلى الأمن من زاوية واحدة فقط، بل أدرك بثاقب نظره أن الأمن لا يمكن أن يستقر إلا إذا نظر إليه نظرة شمولية، ومن هنا برز مصطلح (الأمن الفكري) الذي يعد سموه أكبر دعاته، بل أسس حفظه الله كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري، وطبق ذلك عمليا عبر (حملة السكينة) التي أطلقها بين المعتقلين في القضايا الإرهابية. كما التفت سموه إلى الأمن الأخلاقي باعتبار الأخلاق كابحا مهما من كوابح الجريمة، وفي هذا السياق عزز دور هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووقف معها، وطور هيكلياتها وأنظمتها، وحرص غاية الحرص على تدريب منسوبيها ليؤدوا دورهم بالشكل الأمثل. بالإضافة إلى كرسي الأمير نايف لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. والتفت كذلك إلى الأمن الإعلامي، فخلال رئاسة سموه للمجلس الأعلى للإعلام أشرف على وضع السياسة الإعلامية للمملكة العربية السعودية، تلك الوثيقة التاريخية التي تمثل عاصما للإعلام من أن ينزلق إلى الفتنة أو الإخلال بأي نوع من أنواع الأمن. ومن أهم المسارات الأمنية التي برز فيها سموه مسار الحرب على الإرهاب: حيث قدم تجربة سعودية فريدة كانت محل تقدير دول العالم كافة، وقد أشاد بهذه التجربة مجلس الأمن الدولي عام 2007م حيث ثمن الجهود السعودية في تأهيل ومناصحة الموقوفين، ودعا إلى تعميمها عالميا، كما أن وزير الخارجية الماليزي قد صرح في شهر ذي الحجة من هذا العام بأن «التجربة السعودية في مكافحة الإرهاب نموذج عالمي يحتذى به، مؤكدا رغبة بلاده في الاستفادة من هذه التجربة الرائدة في تطوير قدرات الأجهزة الأمنية في ماليزيا لمواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة». وقد قامت هذه التجربة على ثلاثية: الوقاية، والعلاج، والرعاية. فقد وضعت وزارة الداخلية بالمملكة برئاسة سمو الأمير نايف خطة علمية وعملية متكاملة في سعيها إلى مكافحة الإرهاب تقوم على: الإجراءات الوقائية: وتتضمن جمع المعلومات والمراقبة المستمرة، ومنع استغلال الدين، وتجفيف منابع التمويل، وتدشين حملات إعلامية فعالة لتصحيح المفاهيم الخاطئة. والإجراءات العلاجية: أي التعامل المباشر مع الإرهابيين محاسنة مع من أراد، ومخاشنة مع من عاند. والإجراءات ما بعد العلاجية: وتهدف إلى إعادة تأهيل المضللين الذين يتم القبض عليهم عبر لجان المناصحة التي يتولاها نخبة من علماء الدين النيرين من المملكة، وعبر برنامج علمي اجتماعي نفسي يتولاه أيضا نخبة من الأخصائيين السعوديين المؤهلين، وذلك لتحرير عقولهم من الأفكار المنحرفة، إضافة إلى كثير من الهبات والمساعدات التي تعينهم على الانخراط في المجتمع، وتمكنهم من العمل والعيش الكريم. ولا يمكننا في الختام أن نتجاوز دور هذه الشخصية الفذة في تحقيق الأمن لحجاج بيت الله الحرام، فهذه الحشود الضخمة التي تجتمع في بقعة ضيقة وفي زمن ضيق هي مظنة الهرج والفتنة واختلال الأمن، ولكن جهود سموه حفظه الله مؤيدا بالمخلصين من رجالات الوطن أسهمت في تحويل هذا الحشد الهائل إلى واحة أمن وأمان واطمئنان، ولا ننسى أبدا كلمته التي يكررها دائما: «إننا لا نقبل المساس بأمن حجاج بيت الله الحرام وسنمنع هذا بعون الله عز وجل، ثم بقدرات رجال الأمن البواسل». هذا هو رجل الأمن الأول في بلادنا.. هذا هو نايف بن عبدالعزيز وكفى. * مديرجامعة أم القرى