هل يجوز لبشر أيا كان علمه ومعرفته أن يدعي أنه يوقع عن (رب العالمين)؟ لوجه الحق، إني لم أستطع أن أقبل جواز أن يدعي ذلك بشر، مهما بلغت درجة علمه واطلاعه، فمن يزعم هذا الزعم هو يدعي أن ما يقوله كامل لا نقصان فيه، ونحن نعلم أن لا كمال لبشر!! على إثر نشر الفتوى الصادرة من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء المتضمنة تحريم عمل النساء في صناديق المحاسبة، تصدى بعض الكتاب لمناقشة تلك الفتوى ومراجعة المفتين فيما قالوا، إلا أن بعض المؤيدين لمضمون الفتوى، الداعي إلى التحريم استاءوا من أولئك الكتاب المجادلين حولها، وأغضبهم أن يظهر من يتجرأ ليحاجج في فتوى صادرة عن اللجنة العليا للإفتاء. أغضبهم ذلك رغم أنهم يقرؤون قول الله سبحانه وتعالى في المرأة التي جاءت تجادل الرسول (عليه الصلاة والسلام)، وليس عالما من العلماء، فأجاز جدالها ولم يوبخها وينهها عن ذلك. لكن الذين لا يؤمنون إلا بفرض الرأي، نسوا ما يقرؤونه في القرآن الكريم وأخذوا يوبخون المجادلين ويلومونهم بأنهم حين يعترضون على تلك الفتوى إنما هم يعترضون على حكم الله، وأن ما جاء في الفتوى يمثل ما قال به الله سبحانه، وأن من أفتوا بما فيها هم لا يتحدثون من عند أنفسهم وإنما هم عباد الله المخولون بالتوقيع عن رب العالمين!! وأظن القول (بالتوقيع عن رب العالمين) انتشر بين الناس من خلال كتاب ابن قيم الجوزية (مدارج السالكين وأعلام الموقعين عن رب العالمين)، ومع التسليم بفضل وعلم ابن قيم الجوزية، إلا أن هذا لا يعني أننا مجبرون على متابعته في قوله هذا، فالتوسع في القول بأن العلماء يوقعون عن رب العالمين وإشاعة ذلك بين الناس، يدفع بكل من أخذ من العلم بطرف أو لم يأخذ، إلى القول بحسب فهمه ودرجة إدراكه ونوع توجهه، ثم نسبة ذلك إلى رب العالمين بالادعاء أنه مخول بالتوقيع عنه. إن كثيرا من الأحكام الفقهية والرؤى الشرعية، هي وإن استنبطت من النصوص المقدسة إلا أنها تظل، من جهة، محكومة في فهمها بالاجتهادات البشرية الخاضعة لعوامل كثيرة متفاوتة بين العلماء، ومن جهة أخرى، هي تعتمد بدرجة كبيرة على السنة النبوية المختلف حول بعضها، والتي مهما قيل عن مدى ثبوتها، لا ترقى في درجة اليقين إلى صدق القرآن الكريم وعدم الاختلاف حوله، وهذا كله يجعل ما يقوله العلماء في بعض الأحيان متضادا فيما بينه، وأقرب مثال على ذلك صدور فتاوى من علماء آخرين في بلاد غير المملكة لا يرون بأسا في عمل المرأة في مجال المحاسبة. وإذا كان كل يدعي التوقيع عن رب العالمين، كيف للعامة أن يميزوا التوقيع الصحيح من التوقيع المزيف؟ أليس في هذا ما يجعل القول بالتوقيع عن رب العالمين فيه تطرف كبير وتجاوز للقدر البشري الضئيل؟ فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة