يروي الدكتور غازي القصيبي رحمه الله في كتابه «الوزير المرافق» أنه خلال زيارة أنديرا غاندي للمملكة في عام 1982م، وأثناء شرح وزير المالية الهندي للخطة الخمسية في بلاده، لم تتدخل غاندي في حديث وزيرها سوى مرة أو مرتين، حين ذكرت أن عدد الطلبة في الهند يبلغ (106) ملايين طالب وطالبة. يقول الدكتور غازي: نظرت إلى هشام ناظر وزير التخطيط، ونظر إلي، وابتسمنا، ثم قال هشام: يا دولة الرئيسة. نحن في المملكة فخورون بأن لدينا مليونا ونصف المليون طالب وطالبة، ولديكم أكثر من مائة مليون. لقد جعلتمونا نخجل من إنجازاتنا ومن مشاكلنا الصغيرة .. حضرت هذه الحكاية في ذهني بقوة وأنا أقرأ آخر طرائف التعليم لدينا حين نشرت «عكاظ» في صفحتها الأولى يوم الأحد الماضي عنوانا مثيرا هو «ترجيح إلغاء القسم الأدبي في الثانوية لتدني مستوى الخريجين» .. الجملة مقتبسة من حديث لمدير المركز الوطني للقياس والتقويم الأمير الدكتور فيصل بن مشاري ذكر فيه أن المركز توصل إلى قناعة حول ضرورة إلغاء القسم الأدبي بسبب تدني مستوى خريجيه، وحاجتنا لتأهيل خريجين متفوقين في الرياضيات والعلوم .. وإذا كانت هذه الجملة تمثل ذروة الإثارة في حديث مدير المركز فإن التفاصيل تتضمن آراء لا تقل إثارة من حيث تناقضها وعدم قدرتها على تبرير التفكير في اتخاذ قرار ضخم كهذا القرار، ولأنها تشير إلى مشكلة أكبر تعتري التعليم بمجمله، وليس أقسامه الأدبية فقط .. وإذا لم تكن هذه هي الحقيقة فكيف يمكن تفسير قول الأمير فيصل إن 35 في المائة من موارد الجامعات تهدر بسبب تسرب الطلاب ورسوبهم خصوصا في السنة الأولى، وهي نسبة كبيرة جدا مقارنة بالنسبة العالمية كما يؤكد الأمير .. وحين يكرر تأكيده أن اختبارات القياس كشفت عن تدني مستوى الطلاب بسبب المعلمين والطلاب أنفسهم وليس بسبب المناهج أو المباني والتجهيزات المدرسية فإنه يصعب علينا فهم هذه النظرية أو هذا الاستنتاج. فإذا كان السبب يعود إلى المعلمين فما الذي يتقدم على أهمية المعلم في العملية التعليمية ولماذا أهملته الوزارة، وكيف يلام الطالب وهو ثمرة هذا المعلم؟؟. وإذا لم يكن للمناهج دور مهم في تدني مستوى الطالب فلماذا تقوم الوزارة الآن بتطويرها وتعلن عن ذلك في صحف اليوم الذي نشر فيه حديث الأمير فيصل؟؟.. من يخطط للتعليم؟؟ من يتخذ القرارات الجوهرية بخصوصه؟؟ من يحدد أهدافه ومساراته؟؟ من يشخص مشاكله الأساسية ويقرر له الوصفات العلاجية الصحيحة؟؟.. سوف أترك هذه الأسئلة مفتوحة لكي أستغل الوقت في مراجعة ماذا أنجزنا من أجل التعليم منذ زيارة أنديرا غاندي إلى الآن، وهل علينا الآن أن نخجل أكثر لأن مشاكلنا الصغيرة آنذاك أصبحت أكبر؟؟ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة