الجرائم التي تتم باحترافية عالية لسرقة المتاحف الفنية، والغموض الذي يلف عمليات ارتكابها، وعدم وصول التحقيقات في غالب الأحيان إلى نتيجة، أو القبض على الجناة، أو استعادة الأعمال الفنية المسروقة، والتي أشرنا إلى نماذج صارخة لها في المقال الماضي، كانت مثل تلك الجرائم وستظل مصدرا للقلق على نطاق واسع، سواء بالنسبة لإدارات المتاحف أو لجهات التحقيق والضبط المحلية منها مقر وقوع السرقة أو منظمة الشرطة الدولية «الإنتربول»، ومن الطريف أن مقر «الإنتربول» يقع في مدينة «ليون» في فرنسا، وهي أكبر دولة تتعرض لسرقات المتاحف، بالإضافة إلى إيطاليا. والدولتان معا (فرنسا وإيطاليا) تضمان قائمة تحتوي على أكثر من (35) ألف عمل فني كان عرضة للسرقة خلال السنوات القليلة الأخيرة. وقد دفع ذلك ذوي الاختصاص الفني والأمني والتقني إلى التكهنات وطرح علامات الاستفهام المحيرة، وافتراض وجود شبكة إجرامية سرية عالمية أشبه بالمافيا، تضم خلايا مختلفة في دول العالم، ولا سيما تلك التي تزخر بالمتاحف والآثار، توزع تلك الشبكة الأدوار فيما بينها، وتتبادل المعلومات والخبرات بشأن وسائل السرقة، والتقصي عن أفضل الأوقات التي تقل فيها الإجراءات والاحترازات الأمنية، والإفلات من ترك أي آثار للجريمة من بصمات أو حامض نووي أو غير ذلك، وتسويق وبيع المسروقات، والبحث عن المشترين وهواة جمع الأعمال الفنية، وغسل الأموال الناتجة عن هذه التجارة الرابحة، وهي أموال طائلة تقدر بمئات الملايين من الدولارات، تغري القائمين على هذه الشبكات الإجرامية بالمغامرة، وبذل المزيد من التطوير والإتقان في وسائل السرقة. وانتصب السؤال الكبير وتوابعه: من يقف وراء حوادث السرقات المتلاحقة التي تتعرض لها العديد من المتاحف في العالم، وما هي حقيقة وهوية المتورطين فيها، وهل المؤسسات الثقافية والفنية التي تضم هذه الأعمال الفنية النادرة جديرة بحمايتها والحفاظ عليها من عمليات السطو، وكيف يمكن تأهيل تلك المؤسسات للتعامل مع العصابات الإجرامية المحترفة والحد من السوق السوداء للأعمال الفنية، وما يكتنفها من تحايلات ووسائل ملتوية ومعقدة؟. جزء من هذه التساؤلات تحدث عنها «كريستوف جيرارد» نائب عمدة العاصمة الفرنسية باريس للشؤون الثقافية، وهي المدينة التي تضم أكبر قدر من الكنوز الثقافية والفنية ذات القيمة، والتي تثير لعاب «تجار الفنون المسروقة»، فقد صرح بأن قيمة الفن اليوم تتجاوز حدود الخيال، لذلك فإن الجرائم المتعلقة بها معقدة للغاية، داعيا أهل الخبرة والاختصاص فنيا وأمنيا إلى تقديم إجابات شافية لهذه الألغاز. [email protected]