إلى وقت قريب كان مصطلح «المال العام» نخبويا، لا تعي معناه ودلالاته وتتحدث عنه سوى النخبة المثقفة، ولم يكن له وجود في التداول الإعلامي والخطاب الاجتماعي. الآن لم يعد الأمر كذلك، فقد أصبح هذا المصطلح معروفا للأكثرية وشائعا بين الناس. ليس ذلك فحسب، بل أصبح متاحا الحديث عن سوء استخدامه وهدره والاعتداء عليه، وأصبحت وسائل الإعلام تتحدث عنه في أخبارها وتقاريرها، مستشهدة بأمثلة تحدث بين حين وآخر في أكثر من موقع، لا تمثل سوى رأس جبل الجليد. كما لم تعد هناك جهة تستطيع الادعاء العلني أنها مستثناة أو تكتسب حصانة ضد الحديث عن فساد فيها أدى إلى العبث بالمال العام.. ومع كل هذا التطور الإيجابي إلا أنها المرة الأولى بالنسبة لي التي أقرأ فيها مصطلح «لصوص المال العام» بشكل علني بارز في الصفحة الأولى لإحدى صحفنا.. لقد نشرت صحيفة المدينة خبرا رئيسيا في عددها ليوم الجمعة الماضي يفيد بوجود دراسة لتفعيل نظام مكافحة الاعتداء على المال العام واستغلال السلطة الوظيفية، وتطوير آليات مكافحة الرشوة والتزوير، وتعزيز دور الأجهزة الرقابية. كما تضمن الخبر تصريحا لرئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان يشير فيه إلى ضرورة تعديل نظام ديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق، بما يسمح بالرقابة الفعالة على صرف الأموال العامة، واتباع نهج الشفافية التامة في الكشف عن المخالفات والتجاوزات وكل مظاهر الفساد أيا كان الجهاز الحكومي الذي تظهر فيه، ومهما علا منصب المتورطين، وتمكين وسائل الإعلام من الكشف عن ذلك وحماية الصحافيين الذين يكشفون عن حالات الفساد.. كل ذلك جميل ورائع.. لكن الأهم والأجمل والأروع ألا تبقى الدراسة مجرد دراسة، أو تتحول إلى نظام دون تفعيل.. المشكلة دائما ليست في وضع الأنظمة وإنما في عدم تطبيقها، أو اختراقها بالاستثناءات. وكم من أنظمة جيدة لدينا لكننا لم نستفد منها كثيرا بسبب خلل التطبيق.. وحين نتحدث عن المال العام فهناك عدد لا يحصى من أساليب سوء استخدامه ونهبه، وإذا كان مستحيلا ضبط كل هذه الأساليب فعلى الأقل ضبط ما هو شائع وفاضح منها بنظام صارم لا يقبل الاستثناء. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة