يومان أو ثلاثة ويهل علينا الهلال معلنا بدء أول أيام عيد الفطر المبارك أعاده الله علينا جميعا باليمن والمسرات. ونحن في انتظار العيد تعود بنا الذاكرة إلى الوراء سنوات طويلة، ونستحضر كيف كان هذا العيد، وكيف هو اليوم.. فروق ومساحات شاسعة بين الحالتين نلحظها بكل وضوح في كل مدينة وقرية، وإن كانت في المدينة أكثر منها في القرية. في المنطقة الغربية، كان الناس يستعدون للعيد قبل موعده بعدة أيام، وتلحظ مظاهر الاستعداد على كل مستوى وفي كل منزل. الحلويات بأشكالها المتعددة، تملأ الأسواق، وتبدأ في البيوت حملة تنظيف وتلميع للأثاث لا تشهدها في أي وقت آخر. عند مرورك في الشوارع ترى رب الأسرة وبمساعدة أولاده يخرج قطع السجاد ويبدأ في طرقها بالعصي حتى يخرج ما فيها من غبار. كما ترى في هذه الشوارع الفتيان وقد بدأوا في إنشاء ما يمكن أن يطلق عليه (مدن ملاهي مصغرة) وهي عبارة عن مراجيح خشبية (مداريه) تشيد بالخشب والحبال أمام المنازل، أو في الساحات القريبة، والشاطر من الأولاد هو من يجيب (المداد) بتشديد الدال، ومعناها القدرة على مساواة اللوح الذي تقف عليه قدماه بمستوى العمود العلوي للمرجيحة. عقب صلاة العيد تشرع الأبواب لاستقبال المهنئين من الجيران والأقارب في زيارات قصيرة. وقبل أن يخرج كل زائر يتناول قطعة من الحلوى الموضوعة في صينية أنيقة وسط المجلس. الأطفال بدورهم يجوبون الشوارع المحيطة بمنزلهم وهم يرتدون الجديد من الثياب، ويبدأون في طرق الأبواب للحصول على العيدية مرددين (أبي عيدي عادت عليكم ... إلخ). في المنطقة الوسطى، كان الناس يحرصون أيضا على المحافظة على تقاليد العيد ومظاهره فتجدهم منذ الصباح الباكر يفرشون بعض الطرقات، ويشترك كل أبناء حي في (إفطار العيد)، حيث يحضر كل منزل ما لديه من طعام ساخن (رز، قرصان، وجريش) أو غيرها من الأصناف، ويلتقي الأهالي للمعايدة وتناول الإفطار ومشاعر البهجة والسرور تكسو محياهم. ومن المتبع في هذا الإفطار عدم الجلوس أمام طبق معين وإنما التنقل بين الأطباق لتذوق جميع الأصناف، وربة البيت السعيدة من يأكل الجيران من طبقها أكثر من غيره مما يعد مؤشرا على جودة النكهة والطبخ. الأطفال أيضا يجوبون الشوارع للسلام على الجيران والأهل القريبين طمعا في العيدية مثلهم مثل غيرهم في مناطق المملكة الأخرى. هذه بعض مظاهر العيد (أيام زمان) والتي اختفت ولم يبق منها إلا القليل في مدن وقرى محدودة، فأين نحن منها الآن. في صباح العيد، خاصة في المدن الرئيسة والأحياء الراقية فيها، لا نرى إلا شوارع مقفرة، وأبوابا مغلقة، ولا تجد من يطرق بابك ليقول لك (من العايدين). يسهر الكثيرون إلى الصباح، امتدادا لليالي رمضان، ثم ينامون قبل أو بعد صلاة العيد إلى المساء، عندها يبدأ يومهم بزيارات محدودة لأقاربهم القريبين جدا، في عقوق عائلي واجتماعي كبيرين.أين أنت يا عيدنا السعيد...؟ أين أفراحك ومباهجك...؟ أصبحت تمر علينا كغيرك من الأيام، ولا نلحظ فيك سوى مظاهر بسيطة لا تفيك حقك. أعادك الله علينا ونحن في أحسن حال. [email protected]