المتسابقون على فعل الخيرات في المدينةالمنورة في رمضان كثر، فمنهم من أمضى ثلاثة عقود يجول بين جنبات وساحات الحرم النبوي لخدمة زائريه خلال الشهر الفضيل، وآخرون أورثوا أبناءهم وزوجاتهم تلك الأعمال التطوعية النبيلة التي يقدمونها للزوار حتى أضحت إرثا يتناقله أجيال الأسر المدينية على مر العصور. ثقافة التطوع لايضاهيها مثيل.. وإن اختلفت المشاهد إلا أن الجميع في تلك البقعة الطاهرة يجمعهم رابط المنافسة في كسب الأجر ونيل المثوبة، فذاك شاب ينتظر فلول القادمين إلى الساحات للظفر بصائم يصطحبه إلى سفر الإفطار التي تغطي ساحات الحرم كافة، وآخر نذر نفسه في مساعدة المقعدين في الوصول إلى الساحات وأبواب الحرم، وصبي لم يتجاوز 11 من عمره أراد والده أن يغرس فيه حب الخير وأهله فجعله ينهمك في مساعدة مندوبي الجهات الخيرية في توزيع وجبات الإفطار في الساحات، بينما عشرات المرشدين يرصدون وصول الزوار ويحرصون على سير الترتيبات كما خططوا لها، ومع مر السنين أضحت محفوظة في أذهان أكثر من 3900 موظفة وموظف يعملون في وكالة شؤون المسجد النبوي. الروحانية والألفة السباقون إلى الخيرات.. حكاية لا تنتهي في ساحات الحرم تبدأ منذ إعلان دخول الشهر وتمضي الساعات والدقائق خلال الليل والنهار، يعيش معها سكان المدينة مواطنون ومقيمون وزوار أجواء من الروحانية والألفة إذ لا فرق في تلك الأعمال بين أسرة تعد سفرة تكلفها 100 ألف ريال على مدى 30 يوما، أو أطفال سخروا جهودهم في توزيع الأكواب على سفر إفطار الصائمين التي ينفذ توزيعها عاملون في وكالة شؤون الحرم النبوي ليستخدمها الصائمون في شرب مياه زمزم أو العصائر التي تصنعها سيدات وربات البيوت في المدينة النبوية بمختلف النكهات. سفر الإفطار قبل ساعة من ارتفاع صوت مؤذن الحرم تبدأ الجموع في التدفق إلى سفر الإفطار، قدموا عبر الفنادق المتاخمة للساحات، ومن مواقف السيارات التي تدفع بالصائمين والزوار من مختلف الأجناس والألوان إلى أكبر مائدة إفطار تطوعية متصلة في العالم، يعبر زائر عربي عن إعجابه بما شاهده من أفعال أولئك الصبية الصغار في إعداد سفر الإفطار وترتيبها ونقل الطعام إليها خلال دقائق دون كلل أو ملل. يسأل الزائر عن أشخاص يرتدون الجاكيت الرمادي ويراقبون المشهد الرمضاني اليومي، فيكتشف أنهم موظفون رسميون في وكالة شؤون المسجد النبوي يشرفون على تنظيم سفر الإفطار وممرات المشاة ما بين السفر ومرور المصلين إلى داخل الحرم، لم يعلق إلا أن عيناه نطقتا بعلامات البشر والأنس بوجوده في ذلك المكان في تلك اللحظات الخالدة. منع الوجبات ويحرص الحارسات والحراس من على أبواب الحرم على منع دخول الوجبات إلى الداخل، حرصا على نظافة المكان، لذا تكون أصناف الأطعمة في ساحات الحرم مختلفة عن تلك التي تحويها سفر الإفطار في داخل الحرم، إذ يسمح فقط بإحضار مختلف الأطعمة الساخنة والباردة في الساحات الخارجية، بينما تقتصر سفر إفطار الصائمين داخل الحرم على التمر والماء والزبادي، إضافة إلى خبز الشريك والدقة وهذان الصنفان لا تكاد تخلو منهما سفر الإفطار في بيوتات المدينة، وعلى امتداد الساحات ترى ممثلين من كل الجهات الأمنية والخدمية مشرفين وعمال ومتطوعين تركوا أسرهم لخدمة الزوار الذين قدموا من الداخل والخارج. مشاهد التطوع لا تقتصر على ساحات الحرم، حيث يشير مشرف توزيع وجبات إفطار الصائمين في إحدى الجهات الخيرية فايز الأحمدي إلى أن نحو 30 عاملا آسيويا يعدون خلال النهار وجبات إفطار الصائمين تتراوح بين 1000 إلى 1600 وجبة يوميا، يتم توزيعها بعد العصر على المسافرين لحظة خروجهم من المدينة، تزيد خلال العشر الأواخر تبعا لكثافة قاصدي الحرمين عبر طريق الهجرة ذهابا أو عودة، فيما جند موظفون سعوديون لحمل صناديق الوجبات تحوي كل منها 50 وجبة والصعود إلى الحافلات وتقديم الوجبات للمسافرين لحظة دخولهم للمدينة أو خروجهم منها، وكذلك الحال عند وقت السحور حيث تقدم لهم وجبات ساخنة. ومن تلك المشاهد ما ذكره لنا عواض الرشيدي، حيث يداوم على القدوم إلى الحرم بشكل شبه يومي بعد صلاة العصر بعد نحو ساعتين من انتهاء عمله في أحد القطاعات العسكرية، مصطحبا أحد أبنائه للإفطار في الحرم، مشيرا إلى أنه يحرص على جلب التمر والقهوة والعصير أحيانا وأطعمة أخرى، مبينا أنه يشارك أحد أقاربه في ملء سفرة الإفطار التي يتخذ من الناحية الشمالية من ساحات الحرم النبوي مكانا لها، ويفطر فيها يوميا ما يقارب 50 صائما من مختلف الألوان والأجناس.