جين الفوضى يشكل عند بعضنا أساسا في فلسفة الحياة وما تحويه من تعاملات وعلاقات، وأكثر منها أن تتحول «الفوضى» إلى قيمة لها نساكها ومريدوها وجمع آخر من المعترضين على أي مس قد يطرأ ويغير شيئا من مكتسبات الفوضى. أن تكون فوضويا فهذا شأنك ومسلكك الخاص، أما أن تسعى إلى إشاعة سلوكها بين الآخرين منتهزا حالة القداسة التي تعتري الناس تجاه بعض «الإكليشات» الاجتماعية المتعلقة بالمظهر الخارجي، ومسوح «الشيخ» الذي عاث في بيت المدر والوبر محدثا الصدمات ومتراقصا على جدار المشهد الديني؛ فهذا تأصيل لمفهوم الفوضى وفقا لمنطق «العدوى» وليس الاقتناع، الأمر الذي أصبح «نسخا» من الماضي أمام حالة التصنيف والعنصرية والشذوذ والتحريض التي كانت ترفع تحت غطاء «الفتيا»، وقد غاب عنها مفهوم الصناعة واعتكاف الفقيه في محراب الفقه بحثا ونظرا ومقارنة للخروج بفتواه بدلا من خياري «تيك أوي» و «إكسبريس» الذي تعود الناس عليه وهم يتسمرون في مشاهدة ذوي الفوضى. الأمر الملكي الصادر بشأن قصر الفتوى على هيئة كبار العلماء يمثل خارطة الطريق الموضح لآلية التعامل بين المشهد الاجتماعي والرأي الديني، ولم يقصر المسألة على الفتوى ولملمة شتاتها المبعثر، وإنما أشرك حالة «الشخصنة» التي تعتلي كثيرا من منابر الجمعة تحت وصف «الخطبة» وماهي إلا معلقات الخصومة المبنية على رأي كاتبها ناثرا فتنته بين صفوف المسلمين، وكأن المجتمع انتهت قضاياه ولم تتبق سوى لغة التحريض على فلان وعلان فقط لاختلافهم مع الشيخ!. هناك أمور كثيرة سيحسمها قرار حصر الفتوى في مقدمتها: الحد من انتشار فتاوى الفضائيات، التي لم نسمع أو نشاهد في يوم ما شيخا على الهواء يتسلح تربية للناس ويقول عن مسألة تختلف عن قطره ومجتمعه «لا أعلم»، بل على النقيض تماما؛ يسكت المتصل لأن الفتوى جاهزة وإن لم يكمل السؤال.. والشغل «سريع سريع» فبقدر تعدد الاتصالات يرتفع الإيراد، والضحية هو السائل والمشاهد والمجتمع، ولو دققتم النظر لوجدتم أن أكثر الفتاوى التي أثارت جدلا اجتماعيا كانت على الهواء مباشرة في تلك البرامج التي تكتظ بها القنوات. ليس من إنكار على مسألتين: حاجة الناس للتبصر في أمور دينهم وعدم الحجر على بحث العقل في النوازل والمسائل، ولكن الفرق شاسع بين العام والخاص والمسك والإشهار، أو كما سمع ابن القيم تلميذ ابن تيمية وهو يجيب سائلا: جعلت محتسبا على الفتوى؟َ، فقال له: يكون على الخبازين والطباخين محتسبا ولا يكون على الفتوى محتسبا!!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة