تنظيم الفوضى التي نتجت من موجة الفتاوى في الآونة الأخيرة أمر صعب وهين في الوقت نفسه، فهذا التنظيم إلى جانب قدرته على كبح جماح الراغبين في تصدر الأخبار ينبغي أن ينطلق أيضا من ذوات الأفراد، وهم جموع المستفتين الذين يستسهلون الاستفتاء ولا يرهقون أنفسهم في البحث عن مفتٍ يكون أهلا لهذه المهمة النبيلة والعميقة. ولأن هؤلاء الجموع من الناس العاديين عاجزون عن تحديد الشخص المؤهل للفتوى، وجب تنظيم هذه المسألة واختيار الأشخاص المؤهلين، وتحديد مصدر وحيد لتلقي الاستفتاء ونشر الفتوى حتى لا تكون دولة بين الراغبين في الظهور على حساب العامة الذين قد يثقون في الجميع دون تمييز. وحتى لا تتحول المسألة من خلاف حول الأحكام إلى خلاف له أغراض أخرى لا يمكن تبينها، كان من الواجب حقا أن نحصرها في أشخاص محددين حتى لا يعتقد أي أحد بأهليته لإبداء الرأي وقدرته على الاضطلاع بهذه المهمة العسيرة، إلى جانب من يتوهم بأنه قادر على الخروج عن الجماعة وإصدار الفتاوى الغريبة. ولهذا فالفوضى في مجال الفتاوى هي فوضى ليست خلاقة طبعا، لأنها ليست تلاقحا طبيعيا في الأفكار والآراء، وليست صراعا طبيعيا بين مدارس فقهية مختلفة ومتنافرة، بل هي في أغلب الأحوال مجرد خروج عن الرأي العام. لكني في النهاية موقن بقدرة المجتمع على تمييز الفتوى القائمة على علم وحكمة من تلك التي تنزع إلى الخروج عن الجماعة طلبا وراء الإثارة الإعلامية والأضواء، فالأولى تستند إلى مخزون ديني مقنع، بينما الثانية لن تلبث أن يكتشفها الأفراد مع مرور الوقت.