القرصنة الإلكترونية ليست جريمة على المستوى المحلي فحسب، وإنما هي جريمة عالمية يمكن أن يتعرض لها أي شخص، وليس أدل على ذلك من عبث بعض مجهولي الهوية في المواقع الإلكترونية، لتصفية حسابات شخصية، بإرسالهم عبارات مسيئة ومخلة بالآداب، فضلا عن الاختلاسات عبر الحسابات المصرفية. جولة «عكاظ» في عدد من محال بيع وصيانة أجهزة الحاسب الآلي كشفت عن الأساليب والطرق التي يسلكها العابثون في المواقع عبر «الإنترنت». في البداية يروي خالد حجاب العتيبي طالب جامعي قصة شاب تعرض لعملية «قرصنة» في إحدى الدول الأفريقية عن طريق الصراف الآلي، يقول العتيبي: عمل الشاب يتطلب منه السفر كثيرا، وكانت وجهته إلى جنوب أفريقيا، فحين وصوله أراد سحب 500 دولار من أحد أجهزة الصراف، وتمت العملية بنجاح، غير أنه عند عودته تفاجأ بأن رصيده (صفر)، ولكنه يتذكر أن في حسابه 12 ألف ريال، قبل عملية السحب، وأنه لم يسحب منه سوى 500 دولار، ليكتشف حين مراجعته البنك أن عمليات سحب تمت في نفس الوقت من خلال مجهولين دخولوا على حسابه. اختراق المواقع عيد الأحمدي صاحب محل لبيع وصيانة الحاسوب في جدة يرى أن الكثير من قراصنة الشبكة العنكبوتية، يستغلون مهاراتهم في الحاسوب والتقنية في إبتكار أساليب متنوعة في اختراق المواقع الإلكترونية والمنتديات من أجل السطو على محتواها، وما تحويه من معلومات قد تكون سرية في بعض الأحيان. وعن تجربته الشخصية، يقول: وصلتني رسائل كثيرة تحاول اختراق البريد الإلكتروني الخاص بي، مشيرا أن من يتورط في مثل هذه الأمور هم قليلي الخبرة الذين لا يهتمون حتى بتعبئة بياناتهم الشخصية. قراصنة «الإيميلات» أما أحمد سالم عمر صاحب محل لصيانة الأجهزة الإلكترونية ومبرمج حاسوب يشير إلى الأساليب التي يستخدمها القراصنة، ومنها إرسال رسالة تحوي معلومات غير صحيحة، تكون عادة باسم شركات وهمية، ومن ثم إرسالها إلى بريد الشخص المستهدف، فيها (نعم / لا)، فإذا تم الضغط على بعض الأوامر المتاحة له يتم فتح الرسالة في البريد، حينها يتم السيطرة على البريد وعلى الفور يتم تغيير الرقم السري من دون أن يشعر صاحبه أنه تعرض إلى تعدٍ أوعبث، ومن هنا تأتي (القرصنة الإلكترونية). ويضيف: هناك طريقة أخرى، وهي أن يتم إرسال رابط يطلب وضع كلمة سر جديدة عند نسيان القديمة، وعندما يتبع المتصفح هذه الطريقة يتم السطو على بريده، وهذه الطريقة في السرقة أصبحت شائعة الآن ويلجأ إليها العديد من الأشخاص الذين يصممون المواقع الإلكترونية لسرقة المعلومات، وابتزاز أصحاب «الإيميلات» التي تمت السيطرة عليها واستخدامها للتشهير الشخصي. وذكر عابدين صادر مهندس ومبرمج حاسوب أن قراصنة «الإيميلات» يرسلون رسائل يحاولون من خلالها استدراج الشخص لتحقيق أهدافهم، داعيا إلى ضرورة الحرص على عدم فتح أي رسالة مشبوهة. جريمة شنيعة يعتبر عبد الرحمن بن زقر مهندس حاسوب ومصمم مواقع إلكترونية القرصنة الإلكترونية من الجرائم الشنيعة التي يحاسب عليها القانون، كونه اعتداء على ممتلكات الغير، مشيرا أن الحاجة تقتضي تبني طرق لمكافحة القرصنة الإلكترونية. وأضاف بن زقر أن «القرصنة» لاتقتصر فقط على العبث في المواقع أو الاختلاس من الحسابات البنكية، بل وصل العبث إلى ما يسمى ب«القرصنة الفضائية»، إذ أن هناك من يفك تشفير القنوات، مشيرا إلى أن شراء هذه الأجهزة وفك تشفيرها يعتبر عملية شراء من السارق، وأن تصرفهم هذا جريمة يجب معاقبتهم عليها. اختراق الحسابات البنكية من جانبه يوضح عبد الإله عبد المجيد مصرفي وكاتب اقتصادي أن القرصنة الإلكترونية هي باختصار قطع الطريق الآمن، فيما بدأ عالم القرصنة يلاحق التطور وأصبح خطيرا وأهدافه غير آمنة، مشيرا إلى أن الشكاوى تزداد من اغتصاب الحسابات البنكية قسرا وهذا نوع من الجريمة. ويضيف: هناك وسائل كثيرة لإحضار الشخص الذي يحاول الدخول إلى الحسابات البنكية باستخدام بطاقة غير بطاقته، منوها بقدرة مؤسسة النقد على الإرتقاء بمعايير الجودة الآمنة من التزوير والاختلاسات وغيرها من أمور القرصنة الحديثة. وذكر مصرفي في أحد البنوك في جدة (فضل عدم ذكر اسمه) أن البنوك لديها برامج متكاملة لحماية أنظمتها من الاختراقات، بالإضافة إلى التوقيع مع شركات برمجة تعمل على اختبار أنظمتها المصرفية من خلال اختراق تلك الشبكات، وفي حال اختراق النظام من تلك الشركات، فإنها ترفع تقريرا للبنك عن مكامن الضعف في شبكتها المصرفية التي تم اختراقها لتقوية تلك المواقع، لافتا أن البنوك تنفق الكثير على أمن المعلومات حماية لشبكاتها. رؤية شرعية من جانبه أكد عبد الله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء المستشار في الديوان الملكي؛ أن هذه الانتهاكات تدخل في باب السرقة، وتعتبر جريمة يحاسب عليها الشرع والقانون، مشددا على أن هذا الفعل محرما شرعا وعرفا وغير جائز بأي حال من الأحوال، مؤكدا أنه ظلم لأصحاب الحق والإنتاج، خصوصا أن الشرع تكفل بحفظ الحقوق لأصحابها وتوعد المعتدي على حقوق الآخرين بالعقاب في الدنيا والآخرة. حقوق المؤلف من جهته قال المستشار والمشرف على الإعلام الداخلي، المتحدث الرسمي بإسم وزارة الثقافة والإعلام عبدالرحمن الهزاع أن الإدارة العامة لحقوق المؤلف تعمل على إنفاذ الحماية لكافة أصحاب حقوق المؤلف؛ لأن حماية الحقوق لا تشترط إجراءات معينة يجب على صاحب الحق اتباعها، وأن مطالبة صاحب الحق في اتباع إجراءات معينة هو في واقع الأمر إتاحة مجال للمعتدي ليمارس اعتداءه على حقوق لا يملكها. وأضاف: في الوقت الراهن تعمل الوزارة ممثلة في الإعلام الداخلي، على تنظيم وتصحيح أوضاع المحال التي تبيع «الرسيفرات» وتسويق بطاقات القنوات المشفرة، نظرا لأن هذين النشاطين أصبحا ضمن الأنشطة التي تخضع لنظام المطبوعات والنشر، وهناك مهلة وضعتها الوزارة لممارسي هذين النشاطين لتصحيح أوضاعهم والحصول على ترخيص إعلامي لممارسة أي من النشاطين أو الإغلاق وتنتهي المهلة اعتبارا من شوال المقبل، موضحا أن أهمية تنظيم هذين النشاطين تأتي لكثرة الاعتداءات التي تقع بحق أصحاب القنوات المشفرة من العمالة السائبة التي تعمل في محال بيع الأجهزة التي لم تكن خاضعة للترخيص من قبل الوزارة، ولكثرة الأعمال الممارسات الخاطئة في فك تشفير أجهزة الاستقبال الفضائي التي يمارسها العاملون في المحال القائمة حاليا. كما أن الوزارة حاليا تفحص أجهزة «الرسيفرات» التي ترد للمملكة، حيث عرض عليها حتى تاريخه 110 أجهزة، وتم فسح 70 جهازا ومنع 11 والباقي قيد الفحص. مبينا أن أساليب القرصنة أصبحت تتم بأشكال متعددة، فالمواقع الإلكترونية التي تعرض الأفلام للبيع أو للعرض أو التحميل المجاني مواقع قرصنة، لأنها تتصرف في أمور لا تملكها، والعامل الذي يحمل قوائم ببرامج منسوخة هو مقرصن، لأن قيمة الاسطوانة عليه لا تزيد عن نصف ريال ويبيعها بعشرة ريالات فهذا مكسب كبير في مصنف مسروق. مشددا أن الإدارة العامة لحقوق المؤلف تتابع كافة أشكال الاعتداءات على حقوق المؤلف من مصنفات مسموعة ومرئية ومكتوبة وبرامج ألعاب وبرامج الحاسب الآلي وبطاقات القنوات المشفرة، ويتم تطبيق العقوبات الرادعة بحق المخالفين. وعن كيفية التعامل مع قضايا الاعتداء على حقوق المؤلفين، أوضح الهزاع أن هناك مخالفات يتم ضبطها من خلال موظفي الرقابة الميدانية العاملين في الأسواق، ومخالفات يتم ضبطها من قبل مراقبي الوزارة المشاركين في الحملات الأمنية، وأخرى يتم ضبطها عن طريق مكاتب الوزارة بالمنافذ الحدودية ومخالفات يتم ضبطها بناء على شكوى أصحاب الحقوق، ومفتشو الوزارة يعمدون إلى الجولات الرقابية التي تشمل المنشآت التجارية كالفنادق والمجمعات والمستشفيات والمصانع والشركات الخدمية والتجارية ومحالت بيع الأجهزة والمقاهي وضبط المخالفات وتحرير محضر للمخالفة بحق المخالف، وتنظر في المخالفة لجنة مختصة تصدر قرارات بالعقوبات تتمثل في الغرامات المالية، والتي قد تصل إلى نصف مليون ريال وعقوبات بالسجن قد تصل إلى عام، وإغلاق المنشأة لمدة تصل إلى شهرين وبتعويض أصحاب الحقوق، مشيرا أنه صدر عن اللجنة منذ مطلع هذا العام حتى تاريخه 97 قرارا، وتحصيل الغرامات من أصحاب المخالفات بشكل مباشر أو عن طريق الشرطة لمن يحاول التملص من الدفع. وأكد الهزاع أن هناك مطالبات دولية من أصحاب الحقوق في الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية لتغليظ العقوبات على المخالفين، وفقا للاتفاقيات الدولية المنظمة لحماية حقوق المؤلفين، وأن الوزارة عمدت قبل شهرين لرفع أربع قضايا إلى ديوان المظالم توصي بإصدار عقوبة السجن بحق أصحاب المؤسسات المخالفة لمدد تتراوح بين شهرين وستة أشهر، إلى جانب دفع غرامات مالية تصل إلى نصف مليون ريال وبتعويضات مالية كبيرة لأصحاب الحقوق، كما أن لجنة النظر في المخالفات أصبحت تراعي رفع قيمة الغرامات بحق المخالفين لردعهم عن ممارسة الاعتداءات على حقوق المؤلف. وكشف الهزاع، أن الإدارة العامة لحقوق المؤلف وفروعها في مختلف مناطق المملكة تمارس الجولات الميدانية بشكل يومي، ويتم تحرير عشرات المخالفات، وبالنسبة للجولات فهي يومية وفي مدن المملكة من خلال(70) مراقبا ميدانيا. أما بالنسبة لمداهمات المنشآت، فهي أيضا يومية وتتم من قبل مفتشين مختصين، وعادة تتم المداهمات بناء على شكوى، ويصل متوسط عددها (20) مداهمة يوميا، فيما وصل عدد الشكاوى المقدمة للإدارة العامة لحقوق المؤلف منذ مطلع العام الحالي إلى (700) شكوى في المملكة.