المشهد يتكرر كل يوم عمال يكدحون تحت لهيب الشمس منهمكون في عملهم ويتصببون عرقا غير آبهين بحرارة الأجواء صيفا، تحت حرارة تجاوزت الخمسين درجة مئوية، وفي الوقت الذي تلقت فيه الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان شكاوى عديدة من عمالة وافدة، بسبب إلزامها بالعمل في أوقات الحر الشديد، ونصت المادة «98» من نظام العمل الجديد على أنه لا يجوز تشغيل العامل تشغيلا فعليا أكثر من ثماني ساعات في اليوم. من أجل أبنائي ويقول أحمد محمد أبو العينين «45 عاما»: أعمل منذ 20 عاما في مجال الحدادة، وأكثر ما يصبرني على العمل في المملكة تحت أشعة الشمس الحارقة، هو توفير الحياة الكريمة لأبنائي الثلاثة، فأنا أعمل من أجلهم رغم أن عملنا هذا يأخذ من صحتنا الكثير، وحيث لا وجود للإجازات في قاموسنا ما عدا رمضان، فهو الإجازة الوحيدة التي نستمتع بها مع أهالينا وأبنائنا، ثم نعود للعمل من جديد غير آبهين بعامل الوقت الذي يستقبلنا بعد ذلك. العمل المتواصل يرهقني أما أحمد نصار «43 عاما» الذي يعمل في مهنة البناء منذ 6 أعوام، فيشير إلى التعب الذي يلاقيه في مهنته قائلا: «عملي المتواصل يرهقني خاصة في صيف شديد الحرارة حيث تصل درجة الحرارة في بعض الأيام فوق الخمسين، لذلك تجد العمل الفعلي لا يتعدى السبع ساعات يوميا، عكس ما هو معمول به في فصل الشتاء، فساعة في الصيف تعادل ساعتين في الشتاء، حتى أن استهلاكنا للسوائل يزداد بشكل كبير، وقد يصل استهلاك الشخص ستة ليترات من الماء. ويضيف نصار: للأسف نتعرض لكثير من الأمراض، بسبب وقوفنا تحت أشعة الشمس الحارقة ولساعات طويلة، وكثير من العاملين تعرضوا لسقوط مفاجئ، بسبب عدم تحمل أشعة الشمس، أما حالات الإصابة بضربات الشمس فهي لا تحصى. في حراسة مواد البناء محمد يمين ومحمد بلال «يعملان في الحراسة في جدة» يقولان: رغم الحرارة العالية، إلا أننا مجبرون على أداء عملنا، فنحن مؤتمنان على عملنا ولا مجال للتخاذل فيه أو الاستهتار، فهذه أمانة في أعناقنا ولا مجال للتقاعس وإلا ضاع كل شيء، وعملنا يتطلب جهدا مضاعفا مثل العمال، ويحتاج لكثير من التركيز حيث أتناوب وزميلي على حراسة مواد البناء، ولذلك نصادف الكثير من المتاعب، خصوصا أثناء الليل فهناك بعض اللصوص يتسكعون ويحومون منتظرين أية فرصة مواتية لسرقته أو لأغراض أخرى حتى أننا في بعض الأحيان نجد إبرا وقوارير فارغة لمواد مسكرة في أطرافه، ولا ينتهي عملنا بدخول العمال بل بانتهاء واكتمال المبنى وتسليمه لصاحبه. عامل سباكة أما سامو سباك فلبيني فيرى أن العمل في ظل حرارة الأجواء متعب وشاق ولكنه يقول: مع نهاية اليوم أنسى التعب وأستلقي في منزلي مرتاح البال، فقد أتيت إلى هنا من أجل العمل، ومع التعود يصبح الأمر مألوفا حيث لا مجال للتقاعس عنه، فكل منا يعمل مقابل أجر يومي، وأي قصور أو تخاذل يحرمنا الأجرة، وبالتالي لابد من مواجهة كل الظروف، وهذا في الأخير مصدر رزقنا. الرأي الطبي الدكتور يوسف علي السيد رئيس قسم المخ والأعصاب في مستشفى الملك فيصل التخصصي حذر من أن ارتفاع درجة الحرارة والتعرض لأشعة الشمس يؤثران بشكل مباشر على صحة الإنسان، وقد تسبب ضربة الشمس للشخص غير المتعود على العمل في درجات حرارة مرتفعة الوفاة في أقل من خمس دقائق، إذا لم يتدارك الموقف بسرعة من خلال الإسعافات الأولية عن طريق تبريد الجسم كاملا. وأوضح الدكتور يوسف أن أكثر من يصاب بضربة الشمس الأطفال وكبار السن ومرضى القلب والسكري ومدمنو الكحول والمخدرات أو أولئك الذين لم يألفوا الأجواء عالية الحرارة. واستعرض الدكتور يوسف بعض الأعراض والعلامات المصاحبة لضربات الشمس، ومنها ارتفاع في درجة حرارة الجسم إلى أكثر من أربعين درجة مئوية مع صداع وغثيان وتقيؤ مع دوار، كما يكون جلد المصاب حارا جدا مع احمرار وتوقف التعرق إلى جانب زيادة في سرعة النبض والتنفس مع إعياء شديد واضطرابات عصبية، تشمل حركات عضلية لا إرادية، مع تشوش في الوعي أو تصرفات عدوانية وقد تتطور إلى فقدان الوعي التام. قرار وزير العمل من جانبه، أوضح قصي فلالي مدير مكتب العمل في جدة أن صدور قرار وزير العمل، حول تنظيم أوقات العمل تحت أشعة الشمس من الثانية عشرة ظهرا إلى الساعة الثالثة خلال شهري يوليو وأغسطس من العام المقبل، يؤكد حرص الوزارة على مصلحة العامل قبل العمل، فقبل هذا القرار وصلنا الكثير من الشكاوى المقدمة من بعض العمال، يشتكون من بعض كفلائهم بالضغط عليهم في العمل في درجة حرارة عالية، ومع تطبيق القرار الذي أصدره وزير العمل مطلع العام المقبل، بلا شك فإن ذلك يتوافق مع التوجه العالمي ومعايير العمل الدولية، فيما يتعلق بحماية العمالة وتوفير بيئة عمل صحية وآمنة وفق اعتبارات السلامة والصحة المهنية.