في حديثه وفعله، وفي قراره وأمره، وعند بيان الموقف والفصل فيه، وفي إدارته شؤون بلاده في الداخل أو تأثيره في العالم، تزدحم المشاهد والدلالات مع رجاحة عقله وسداد رأيه وعمق فكره.. هذا هو خادم الحرمين الشريفين، الذي أفاق معه الإنسان في عالمنا المعاصر على سلسلة من المشاهد الفكرية التي نقلت بلادنا نقلة حضارية كبرى كانت ولا زالت حديث القاصي والداني. فالمملكة تعيش بمؤسساتها وأفرادها تحولا فكريا حض عليه الملك باعتقاده أن هذا العصر عصر توسع في نقل الأفكار، وأنه يعيش انفتاحا لم تشهده الإنسانية من قبل، فوقف بين المفارقات بحكمة، وجمع بين الأصالة والمحافظة على الثوابت والقيم الدينية والإنسانية وبين الانفتاح والتوسع أمام العالم، وآرسى قاعدة للحوار بين المسلمين على تنوع المذاهب والطوائف واختلاف الاتجاهات والتوجهات، مع تمسكه الحازم بأن المملكة تنهج نهج السالف الصالح. وتوسع يحفظه الله في إيجاد ساحة للحوار بين الأديان والثقافات، تتناقل في باحاتها الأفكار والمفاهيم، مع اليقين بمنهج المملكة القويم وتمسكها بتلك الثوابت حين يقول يحفظه الله «شيئان لا نساوم عليهما أبدا، العقيدة والوطن»، وبات واضحا أمام الجميع موقف المملكة ومنهجها ومقاصدها في كل الجوانب، وانطلق هذا من أساس فلسفي يكمن في عقيدته وتربيته الدينية السمحة والخلفية التاريخية لها، فتحقق الإنجاز الفكري والتاريخي على يديه بإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، الذي أوجد بحق قناة للتعبير المسؤول لها كبير الأثر في محاربة التعصب والغلو والتطرف، وهيأ مناخا نقيا تنطلق منه المواقف والآراء المستنيرة الرافضة للأفكار السقيمة. هذا التوسع بفكره جعلت منه شخصية ذات ثقل إسلامي وإنساني ومكانة عالمية كبرى، برز دورها في دعوة أمم العالم وشعوبه ومؤسساته إلى الحوار، وعقد مؤتمرين بين مدريد وجنيف، ليتأمل مؤيدو الصراع والصدام بين الثقافات والحضارات الإنسانية أهمية الحوار والتفاهم والتعايش بين الناس على اختلاف أديانهم وثقافتهم وأجناسهم في بناء جسر التواصل وإشاعة السلام ومكافحة ثقافة الكراهية والعنف والإقصاء، فما كان من تلك الأمم أمام دعوة المليك إلا الترحيب بها والوقوف احتراما لها. * أمير منطقة المدينةالمنورة رئيس مجلس أمناء جائزة المدينةالمنورة الخيرية