هذا عنوان رواية جديدة للصديق الأستاذ عبد الله العبد المحسن وقد كتب على غلافها (رواية ساخرة) صدرت عن دار الانتشار في بيروت هذا العام 2010م، وقد عرضت لأول مرة في معرض الرياض الدولي للكتاب مؤخرا، استقر العبد المحسن على هذا الاسم لكونه قد نشر أولى مجموعاته القصصية باسمه المستعار والمحبب له (عبد الله السالومي) لكونه كان يكتب في صحيفة اليوم قبل خمسة وعشرين عاما عندما كان يعمل فيها تحت هذا الاسم. ثم أصدر مجموعات قصصية أخرى وكتب منها (العلاقات السعودية السوفيتية)، و(تداعي الواقع في الحكايات .. أساطير الجهيمان نموذجا) كان يكتب اسمه كاملا: عبد الله محمد حسين العبد المحسن. وأخيرا استقر على اسمه المختصر في روايتيه الأخيرتين: (السواق) وهذا العمل الذي نحن بصدده. كنت ألتقي بصديقي العبد المحسن بين وقت وآخر في الرياض أو الخبر بحكم إقامته مؤخرا بعد تقاعده من العمل في مكتبة الملك فهد الوطينة في الرياض وانتقاله للإقامة في المنطقة الشرقية مسقط رأسه كلما التقيت به حكى لي شيئا من هذه الرواية سواء الفكرة أو صفحات منها بعد أن بدأ بكتابتها. قال إنه اضطر إلى الوقوف في إحدى محطات المحروقات في طريقه من الدمام إلى الرياض، وكان محصورا مما اضطره إلى استخدام إحدى دورات المياه القذرة، وعند بداية إفراغ ما في مثانته خرج منه صوت سمعه من يشغل المرحاض المجاور له مما جعله يرد عليه بقوله: إعقب. مما ولد لديه فكرة هذه الرواية، فبدأ يقرأ الأدبيات العربية والأجنبية التي تتناول هذا الموضوع، وقد أهدى عمله «إلى كل من هجا، ويهجو قبيح الأفعال بالسخرية إبداعا. إلى الحطيئة والجاحظ وفولتير وبرنارد شو وعزيز نسين وزكريا تامر وأحمد رجب ومن سار على نهجهم ..». كما شكر صديقه الشاعر حسن السبع الذي ما زال يوصيه بالضحك الجاد، والناشر عبد الرحيم الأحمدي صاحب (دار المفردات) على ما قدما له من معلومات ساعدته على كتابة هذا العمل، وامتد شكره إلى الأستاذ عبد الرحمن الدرعان الذي أهدى له رواية لؤي عباس «كتاب المراحيض». ولم يشكرني لتزويده بما كتبه أحمد الشقيري في رمضان الماضي عن أن اليابان يستخدمون في دورات المياه (سيفون) كذاب يصدر صوتا كخرير الماء الكاذب ليخفي ما قد يصدر من صوت غير إرادي لمستخدم المرحاض وغيرها. يقول بينه وبين نفسه وهو ما زال يقضي حاجته ويحاول أن يخفي ما قد يفلت منه من صوت قد يثير حفيظة جاره الذي توقع أن يكون بدويا قادما من الصحراء يذود عن إبله أو يرعى غنمه ومع ذلك يعلمه الأدب ويمنعه من الاستمتاع بإخراج ما في جوفه من هواء .. فهو يقول: «هل يعلمني من تربى بين الكثبان مع القطعان فضيلة لا يمارسها؟». وهذه حرية شخصية وهو يمارسها ومن حقه، وإذا هو يقول: «وأعرف أن الدفاع عن الحرية يحتاج لشجاعة والشجاعة إذا لم تكن متأهبة، لابد من مراجعة الذات، والبحث عنها داخلنا، يجب أن تنبع منا، راجعت ذاتي فوجدت كم هو صعب أن تكون جسورا، إذا نشأت على الخوف والإذعان منذ نعومة أظفارك، لكن الشجاعة قد تطل من أصغر المواقف». ويعود مرة أخرى ليثأر ممن أهانه واعترض على خروج هذا الصوت .. «..جرحني بكلمته، فسأطعنه بكلمة، السن بالسن والبادئ أظلم، لن أسمح له أن يصادر حريتي سأدافع عن مرحاضي القذر، لن انسحب منه إلا مرفوع الرأس، سأذود عن حريتي، لأحتفظ بها غير منقوصة، كما منحني المرحاض إياها كاملة غير منقوصة، إن الحقوق لا تضيع إلا بالتنازلات، والحرية كل لا يتجزأ، والتخلي عنها مخالف لطبيعة الإنسان وكرامته، هذا ما تعلمته من المعلم روسو، في (عقده الاجتماعي) إنجيل الثورة الفرنسية العظمى، ثورة حقوق الإنسان إذن يجب أن يكون ردي قويا بالفم المليان، وصاعقا كي يتأدب السفهاء الذين لا يحترمون آداب المراحيض، فمن لا يحترم آداب المراحيض لا يحترم الآداب العامة، لا يحترم حقوق الإنسان». فيعود ليتحدث مقارنا بين بلدته الخضراء وصحرائه القاحلة قائلا: «صحيح منحدراتنا مختلفة أنا من ريف ما زال يحتفظ ببعض الاخضرار، ويمنح ما يقيم الأود على الأقل، وهو من قفر يباب يأخذ انتماءاتنا الثقافية متباينة، لكن لا يمنع أن نتقارب، فأنا تعاطفت معه، وهذه فضيلتي ..، فما هي فضيلته هو؟ زجرني لأنني طردت ريحا نتنة من جوفي لأستريح داخل مرحاض لا تحتمل روائحه، ولا تطاق مناظره! هذا ما بدر مني، مجرد إطلاق ريح في الريح». فيعود إلى رواية (الثلج) لباموك الذي يأمره (اسحب السيفون ليذهب الشخص إذا وقع في مدينة قارص ..) فيعود متذكرا «لكن المراحيض العامة على الطرق السريعة بلا سيفون، وإذا كان فيها فالمواطنون يقومون بتعطيله، لأنهم والنظافة أعداء». وعاد ليذكرنا بغزنوي بطل رواية (العطر) فمن نفايات السمك وعفن أحواض دباغة الجلود التي تمرغت فيها طفولته، ليخرج منها أعظم من صنع عطرا في فرنسا، وقال: «تحررت من الرهاب الاجتماعي، صرت على أتم الاستعداد أن أقف، كما وقف موزارت إن صحة الرواية، وأطلق شحنة من الغاز ليس في مرحاض قذر مغلق على طريق الدمامالرياض لا بل في وجه غطرسة علية القوم في مجتمع فينا ..». وبعد أن سمع وعرف بمغادرة خصمه الذي اعترض على ما سمع خرج من مرحاضه «أشعر أنني استعدت عافيتي وعلى أتم الاستعداد لمعانقة الطريق، عاصفا كريح هوجاء، تستمد عنفوانها من انبساط الصحراء في مهبها، لا شجر ولا جبال تكسر جبروتها، أدرت مفتاح السيارة وانطلقت، ودون قصد أحدثت عجلات سيارتي صوتا منكرا آخر أمام الناس، فخجلت منه أكثر من خجلي مما أحدثته في المرحاض، ربما سبب تلك التفحيطة خوفي من غارة الذئب المجروح، لا أخفي عليكم أنني خائف أن تلحق بي سيارة رعناء، وتنهي حياتي بحادث سير عرضي. كالتي تزرع طرقنا بالرعب والموت المروع الرخيص». وكاد أن يختتم روايته قبل وصوله الرياض بزحامها قائلا: «خلاصة الدرس الذي استوعبته، إن لم نقم باقتحام الأقذار لإزالتها سوف تقتحمنا هي وتقتلنا». وآخر كلمة أو جملة في الرواية استشهاده بمقولة شكسبير: إذا أردت أن تحكم على شعب فزر مسرحه، ولكنه اعتسفها بقوله: إذا أردت أن تحكم على شعب فزر مراحيضه العامة. لقد استمتعت على مدى يومين بهذه الرواية الجميلة بأسلوبها الساخر (368) صفحة، وكنت نزيل المستشفى ولكنها أنستني ما أعانيه من ألم وكنت قد اقترحت بل وأصررت أن يسمي الأشياء بأسمائها وبالذات العنوان فهو، ملتبس، فهذه الكلمات وردت في كل كتب التراث وخير شاهد مؤلفات أستاذنا الجاحظ ومذكرات معلمنا عبد الكريم الجهيمان، فقد وردت بهما وغيرهما هذه الكلمات. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 143 مسافة ثم الرسالة