• قبل عدة شهور كتبت عن زيارتي وبعض الزملاء الإعلاميين في وقت متأخر من الليل لبعض أحياء جدة القديمة، سواء التاريخية أو الواقعة خارج سور جدة القديم الذي لم يبق منه إلا مواقع أبوابه الرمزية. • كتبت وقتها وبالتفصيل عن حجم الكارثة البيئية التي تتعرض لها تلك المنطقة، وبالأخص أحياء الصحيفة والعمارية والكندرة، وكذلك أحياء البلد التاريخية كالشام والمظلوم وحارة البحر واليمن. • هذه الأحياء التي أتيت إلى الدنيا في أحد بيوتها العريقة الأصيلة الشامخة المقاومة إلى يومنا هذا على يد الدكتورة الإيطالية تريزه التي كانت تعمل في مستشفى خالد إدريس حينذاك وقضيت بين أحضانها أحلى أيام الطفولة، لا أصدق ما تتعرض له من غزو جارف ومستمر من القوارض دون مقاومة صادقة ورادعة من الجهات المختصة في الأمانة. لم أشاهد في حياتي ولم أعرف أن هناك قططا تهرب من الفئران إلا في تلك الأحياء، وفي الرسوم الكرتونية المتحركة عندما يهرب توم من جيري. • قبل يومين كررت هذه الزيارة الليلية لحي الصحيفة والعمارية وبعض الأحياء التاريخية كالشام والمظلوم، ولكن هذه المرة بصحبة من أعتبرهم من أهم وأمهر وأقوى خبراء الصحة العامة في مملكتنا الغالية، وهم؛ البروفيسور عدنان البار رئيس قسم طب المجتمع في جامعة الملك عبد العزيز، البروفيسور توفيق خوجة مدير عام المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون الخليجي، والدكتور عصام السيد مدير إدارة الإعلام والتوعية والتثقيف لصحة دول مجلس التعاون، وهؤلاء الصفوة المختصون المحترفون لم يصدقوا أو يتوقعوا ما شاهدوه، ورغم كل ما سمعوا وقرأوا عن جدة لم يتخيلوا أن عروس البحر الأحمر تضم أحياء كهذه. • الفئران منتشرة في كل مكان وكأنها جيوش مجيشة تنخر المباني وتكتسح وتملأ الشوارع والأزقة وبشكل مخيف، ولها في كل ركن وزاوية مأوى، وكأنها في مستعمرة أعدت لها خصيصا، وأعطيت لها منحة لتتوالد وتنمو وتكثر، والناس ضيوف عليها في هذه المستعمرة القوارضية. • أجمع الجميع وهم أساتذة الصحة العامة والأمراض الوبائية أن الوضع ينذر بحدوث كارثة بيئية كبيرة؛ لأن الفئران في تكاثر شره، ومعروف أن لها القدرة على التوالد في السنة عدة مرات، وفي كل مرة من الممكن أن تنجب ثمانية فئران، والعلم يؤكد أن زوجا من الفئران متى ما توافرت له الظروف المناسبة للتوالد والحياة المتوافرة في تلك الأحياء الحزينة المنسية، من الممكن أن يصل عددها إلى 15 ألف فأر خلال ثلاث سنوات فقط. إذن؛ الموضوع فعلا خطير ولا يمكن أن يحل بعاملين أو ثلاثة ونطلق عليهم فرقة، يتسكعون ليلا في تلك المناطق المتألم أهلها وناسها وندعي أننا نقوم بواجبنا كما ينبغي، فالمسؤول اليوم عن إهمال انتشار هذه الفئران في أحياء جدة القديمة سيكون المسؤول مستقبلا عن انتشارها في شمال جدة، وبالذات بعد الانتهاء من شبكة الصرف؛ لأن الانتشار لتلك القوارض سيكون ممهدا وأسهل وأسرع.. وأرجو ألا تثبت الأيام ذلك. [email protected]