نصف قرن مضى، هو عمر العلاقة بين عبد الراحم الهذلي (103 أعوام)، وكوخه الخشبي في شعب علق التابع لوادي نعمان (50 كيلو مترا شرقي مكةالمكرمة)، الذي بناه بيديه من بقايا أغصان يابسة، تعتليها أكياس وقطع ورقية، فيما تحيط براميل الزيت التي تغطيها ألواح خشبية بالية، لا يتعدى ارتفاعها المتر بكوخه. «عشة» الهذلي كما يحب هو تسميتها، شهدت زيجتان من زوجتين رحلتا عنه، فالأولى توفيت فيما سئمت الأخرى طريقة العيش التي تأقلم معها الهذلي مرغما، فقررت الرحيل إلى منزل أقاربها على بعد أمتار منه بعد أخذ موافقته،وترسل له وجباته الشعبية مع صبية أقاربها، إضافة إلى المعونات الغذائية التي تصله من فاعلي الخير، فيما ظل هو متشبثا بكوخه يقلب صفحة الذكريات داخله. وأوضح الهذلي الذي لم يرزق بذرية من زوجتيه، أنه لا يبرح يستذكر ماضيه الجميل مع رعي الأغنام بين شعاب المنطقة، يردد أهازيجه وأناشيده خلال تلك الفترة، مضيفا : «الأغنام كانت مصدر دخلي الوحيد، فأنا لا أجيد حرفة غيرها، في ظل هجرة معظم سكان المنطقة إلى مواقع الخدمات من كهرباء وماء». وزاد الهذلي : «نظرا لمحدودية دخلي الذي أتقاضاه من الضمان الاجتماعي (1800 ريال)، لم أتمكن من بناء مسكن يؤويني، فبنيت هذه العشة، فيما تعود جسدي على قيظ الصيف وزمهرير الشتاء». ومنذ أربعة أعوام لم يعد الهذلي قادرا على المشي كعادته، فبات طريح الفراش أغلب ساعات يومه، باستثناء يوم الجمعة الذي يحرص فيه على حضور الخطبة وأداء الصلاة في مسجد يبعد عن عشته 10 كيلو مترا. ووسط شعاب موحشة وصامتة لا تتردد فيها سوى أصوات قطعان الماشية العابرة، ترفرف أحلام الهذلي في بناء غرفة مكيفة بجوار مجمع سكني، تقيه حرارة الشمس وتسهل تفقد أحواله من قبل السكان، وأكثر ما يقلقه بحسبه «الوفاة وحيدا بلا قريب يلقنني الشهادة».