كنا في الدوحة لحضور فعاليات الأسبوع السعودي الثقافي، هي أول مرة أصل إلى دولة قطر، ولم أكن أتصور أن هذه المدينة قد نهضت لتسابق الزمن في عجلة من أمرها .. تسابقه لأن تحتل موقعا متقدما بين مدن العالم مقتفية أثر مدينة دبي بخلق فرص الاستثمار والقفز من الصحراء إلى عالم المال والأعمال. دعانا أحد الأصدقاء لزيارة اللؤلؤة التي صممت لتحاكي مدينة البندقية في إيطاليا، كان مضيفنا فخورا بمدينته التي شقت فيها ناطحات السحاب ذلك الفضاء الصافي من التلوث، وهو يشير إلى مواقع مختلفة شيدت حديثا في قلب الدوحة، هذه المدينة أخذت تستعد لاستواء زينتها من خلال خطط مجدولة زمنيا، كان مضيفنا يقول هنا سوف ينهض مشروع كذا وهناك سوف تقام مشاريع كذا، وبينما هو يتنقل بإشاراته في زوايا مدينته، شاغله أحد الأصدقاء بأسئلته المتلاحقة: قبل أن تحدثنا عن روعة العمران والشوارع والمشاريع، هل في الدوحة شبكة صرف صحي. ضحك زميلنا لعباطة السؤال وأجاب: كيف تقوم مدينة من غير وجود شبكة صرف صحي. فرد عليه صاحبنا مستنكرا: لا ياشيخ! يعني الدوحة كلها فيها صرف صحي ما في جهة أو منطقة (عدتها العين). هز مرافقنا رأسه مؤكدا أن كل شبر في المدينة مغطى بشبكة الصرف. فقفز صديقنا: هيا لا تقول كمان إن فيها شبكة تصريف سيول. فقال له: هذا أمر مفروغ منه. تحفز صديقنا برصاصة سؤاله الآخر: طيب أبغى أسألك أنا ما شفت وايتات المويه .. هو أنتم ما تشربوا مويه وإلا إيه! فقال له: مويه إيه! فقال صديقنا: مويه شرب. فقال: له وش علاقتها بالوايتات! لدينا شبكة تحلية تصل إلى كل نقطة. قفز صديقنا صائحا: طيب لا تقول إنكم تجلسوا على البحر. فقال له: كيف نجلس على البحر! فقال صديقنا جملته التعجيزية: يعني تجلس أمام البحر من غير سد يضرب وجهك. ضحك مضيفنا وقال له: انظر إلى البحر فهو يطل على المدينة من كل اتجاه من غير سدود. وأخذ صديقنا يحك رأسه وكأنه يبحث عن الفروقات السبع، طيب متى ينقطع عنكم التيار الكهربائي.؟ فقال مضيفنا: كل الحياة قائمة على الكهرباء فكيف تنقطع! شعر صديقنا بالتقازم يوما وراء يوم وهو يتجول في مدينة الدوحة، بكى على المباني الأثرية التي تتساقط تباعا وهو يقف في (سوق واقف) تلك السوق التي أنشئت في قلب المدينة الأثرية وتحولت إلى رئة تنزه بإطارها القديم وينصب إليها كل الناس ومن كل جهة، صديقنا زاد جزعه وهو يقف في المتحف الإسلامي الذي دفعت مليارات الريالات من أجل جلب المقتنيات الإسلامية عبر العصور لتوضع فيه، ومسح وجهه وهو يرى الطيران القطري بما يمتلكه من أسطول جوي متقدم وعندما استوى في مقعد العودة متوجها إلى جدة قرأ خبرا: إن قطر تخطو الخطوة الأولى نحو استضافة كأس العالم المقبلة من خلال إقناع الفيفا بمنجزاتها ومنشآتها الرياضية بأن قطر قادرة على ذلك. وعندما حلقنا في أجواء مدينة جدة عابرين بحيرة الصرف الصحي من عل ورؤية تناثر منازلها ومبانيها، وعند ملامسة عجلات الطائرة للمطار، تعلق صديقنا في الباص في رحلة ليصل إلى صالة العودة عندها صاح صديقنا بملء فيه: - إيوه كذا وصلنا البلد.