حمل الإعلامي طراد الأسمري جملة من هموم المجتمع وقضاياه الجدلية، وأخذ يطوف بها في فضاءات الشبكة العنكبوتية، تارة يكتبها شعرا وأخرى نثرا ومقالا، مستغلا بعض مساحات حرية التنفس الكتابي، حتى وجد له موطئ قدم بين عوالم التدوين «البلوجرز»، وعبر صفحة أنشأها في العام 2008 تحت عنوان «حلم أخضر» وزودها بنحو 50 موضوعا متعدد الأغراض، حصد أخيرا جائزة البوبز العالمية عن فئة «مراسلون بلا حدود» التي تنظمها مؤسسة دويتشه فيلة الألمانية، بعد أن حصل على أكبر عدد من الأصوات في استفتاء المتابعين من رواد الإنترنت. يحاول الأسمري من خلال كتاباته «التدوينية» ملامسة واقع المجتمع وهمومه، وأحيانا يخطب ود المسكوت عنه، يقول «عندما أتحدث بصدق فهذا يعني أن ما أقوله سيصل». يؤكد أن هموما كالبطالة والفقر عانى منها شخصيا في وقت من الأوقات، ففصله من عمله تعسفيا، كان سببا كافيا ليشعر بهموم العاطلين عن العمل، وربما أوجدت له هذه الفترة التي قضاها في المنزل دون عمل وامتدت لنحو عام، فرصة للتعبير عن نزقه بالكتابة ودعمها بالصور والرسومات. وبالنسبة له، كان تصريح أحد المسؤولين الذي قال فيه «الفقر محصور وليس منتشرا»، تصريحا غريباً، وهو ما جعله يطرق هذه المنطقة ويحاول تفكيكها بالصوت والصورة من خلال فيلمه القصير «راتبي ألف ريال». وهذا الفيلم تحديدا لاقى نجاحا جيدا وترجم إلى عدة لغات بينها الإنجليزية والفرنسية، ، وكتب الأسمري في مدونته تعليقا على هذه الواقعة «هذا لا يمثل لي فخرا ولا يعنيني في شيء، بقدر ما يعنيني أن تصل رسالة الفيلم إلى المعنيين بشأن المواطن السعودي محليا». بدأت علاقته بالتدوين منذ العام 2003 وكانت فاتحة مشاركاته قصيدة حملت عنوان «ملف أخضر»، يقول «هناك فكرة غير مكتملة لتلحين هذه القصيدة وغنائها». ثم أطلق مدونة «عاطل عن الأمل» لكنها كانت تميل إلى الكتابة الأدبية مارس فيها نوعا من جنونه مع فنون الكتابة. وفي لحظة ما، وصل الأسمري إلى قناعة بأن الرسالة الصادقة بأدواتها البسيطة هي الأقوى، مع إيمانه بتأثير التدوين في الحراك المجتمعي وخلق الرأي العام في الدول، وجد نفسه صديقا لمدونته الجديدة «حلم أخضر»، وفيها نثر همومه وهموم مجتمعه مع الفقر والبطالة، فحظيت المدونة بمتابعة كبيرة، وأصبح طراد الأسمري ومن خلال هذه الصفحة المجانية، واحدا من أشهر كتاب الأنترنت ومدونيه. «تحكمني الرقابة الذاتية ولا غيرها» يقول صاحب المدونة الفائزة بالجائزة الألمانية، ويضيف «لا أتاجر بقضايا الوطن وهمومه، ولكني أنقل صورة يصعب أحيانا نقلها عبر منابر إعلامية أخرى، ويبقى الاعتراف بالمشكلة أساس حلها». ولا يتوقف الأسمري عند طرح المشكلات ووضعها للفرجة، فهو يضع الحلول ايضا. ومن مبدأ «العقل أساس كل فعل والفكر أساس كل عمل» أطلق مجموعة من المبادرات التي تكفل -بحسب رأيه- محاصرة الفقر والبطالة ولو على نطاق ضيق، ومنها «المبادرة الوطنية للتكافل الفكري» التي دعا فيها إلى تكافل فكري يسبق التكافل الاجتماعي، فهو يعتقد جازما أن الفقر ليس مشكلة اقتصادية، وإنما هو خليط بين الاقتصادي والاجتماعي وربما الديني، وللدخول في تفاصيله نحن بحاجة إلى تكافل فكري منظم، وهناك أيضا مبادرة أخرى حملت شعار «وطن بلا فقر» خلص فيها إلى بعض الإجراءات والأدوات التي من شأنها محاربة الفقر بشكل علمي مدروس. طراد الأسمري الذي يعمل حاليا مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية في جدة، لا يعني له هذا الفوز بالجائزة بين 924 مدونا من أنحاء العالم، سوى أمرين؛ الأول أن صوته وصل، والثاني أنه نجح في رهانه على التدوين وهو الذي دائما ما يردد «ثقافة البلوج صادقة التأثير في الرأي العام، وستعرفون ذلك». وبقيت سعادته في حجم التواصل والتهنئات التي تلقاها إثر إعلان فوزه بالجائزة، بالقدر الذي لم تخلقه الجائزة نفسها، «محبة الناس وتفاعلهم هو الفوز الحقيقي بالنسبة لي، والجائزة أعطتني دعما معنويا للمضي قدما وربما بجرأة أكبر، فشكرا لكل من حضر في وطن نتنفسه فنحضر».