«إجراء انتخابات جديرة بالثقة، أمر جوهري للانتقال بسلاسة من مرحلة ما بعد الانتخابات إلى الاستفتاء». «بان كي مون» «هذه الانتخابات على درجة كبيرة من التعقيد، لذا يتعذر على الكثيرين فهمها. نحن نحاول جاهدين أن نشرح للناس، لكنهم ما زالوا يجدون صعوبة في فهمها، حتى إن بعض المرشحين أنفسهم لا يفهمونها». «جيرسا برسابا، عضو الجنة الانتخابات» نلتمس مستجلى كلي، أو حتى دلالي تعريفي لمعنى كلمة انتخابات، لن نتجاوز أنها تجسيد لصناعة القرار، يمارسها شعب لاختيار فرد لمنصب رسمي. هذا هو المسلك النمطي في جسم الديمقراطية الحديثة لتبوء المقاعد في مجلس تشريعي، تنفيذي أو قضائي، فضلا عن أذرع الحكم المحلي والإقليمي. إن الممارسة العالمية للانتخابات، بوصفها وسيلة لاختيار ممثلين في الديمقراطيات الحديثة، تتباين وتلك في النموذج الأصلي، أي أثينا القديمة، حيث تعتبر الانتخابات ضربا من سيادة ال(أوليغاركية)، فكانت المناصب تنفح في معظم المؤسسات والمكاتب السياسية عبر التخصيص. وهناك تساؤل ضمني: من يحق له التصويت؟، وهي جدلية أخرى في التراتبية الإجرائية للانتخابات. فليس جميع السكان لهم حق الانتخاب، فعلى سبيل المثال؛ هناك العديد من البلدان التي تحظر التصويت على العاجز عقليا، وجميع الهيئات القضائية ترسم شروط الحد الأدنى لسن التصويت. كما لا يجوز الاقتراع، في ميثاقه العام، إلا لمواطني البلد المعين، وأحيانا تستحدث محاذير أخرى. هناك دول لا يسمح فيها ممارسة هذا الحق إلا للأشخاص الذين كانوا مواطنين لفترة محددة بتاريخ، أو أحفادهم فقط. رغم ذلك، ففي الاتحاد الأوروبي قد يشذ الأمر نوعا ما لاعتبارات استثنائية. وآنيا، يخصب الجدل في الجغرافية السودانية، إذ يتوسم أهلها في منجز سيادي سوي عبر الانتخابات العامة التي ستشهدها البلاد في ال11 من أبريل المقبل، لتبقى الأولى منذ انتخابات عام 1986م؛ أي تلك التي أتت بحزب الأمة إلى سدة السلطة، برئاسة الصادق المهدي، في تحالفية من طيف أحزاب، ظل في السلطة حتى بداية عهد الرئيس الحالي عمر حسن البشير عام 1989م. ولهذه الانتخابات طابع الشمول، مستصحبة انتخابات رئاسية، برلمانية وانتخابات لاختيار الولاة ومجالس الولايات. وفي حين لم تخف قوى سياسية سودانية مستبطنها الملح في إقناع الأحزاب كافة بحتمية تأجيل الانتخابات العامة المرتقبة، رغم الشروع في معترك الحملات الانتخابية رسميا، طالبت جميع الحركات المسلحة بإقليم دارفور المضطرب بتأجيل الانتخابات لما بعد إحلال السلام الكامل في الإقليم. ويبدو أن تلك الدعوات قد وجدت ضالتها بين كثير من الأحزاب في صفوف المعارضة، لمستشرفات قد تندرج تحتها مساعي هذه الأحزاب رأب صدوعها الاستراتيجية المرحلية وعدم الدخول في واقع غير مأمون النتائج. وإن ربطت الحركة الشعبية إجازتها تأجيل الانتخابات بحدوث تقدم في اتجاه إحلال السلام في إقليم دارفور، تذرعت بأن ذلك ربما يدفع جميع الأطراف لتوليف زمن مرتضى حوله لإجراء الانتخابات. وفي المقابل، لم تفصح قوى المعارضة عما تحت الرماد من مسببات ومرامٍ، قد تبلغها بسبيل التأجيل، ما يمكن، مجازا، أن يصل حد القراءة المستنبطة من واقع السياسة المستجلب من الاعتمال الآني في البلاد. استهل الرئيس عمر حسن البشير حملته الانتخابية، مستدعيا حالات الرفاه والنماء الذي عرفته البلاد إبان 21 عاما من عهده منذ 1989م، وانحاز إلى العمل من أجل الحفاظ على وحدة السودان. وهذان مظهران مثلا جل مبتغى البشير طيلة فترة حكمه، ممحصا ملف الرفاه والتطور، أقر: «عندما جئنا لم نجد شيئا، وكان الناس يقفون صفوفا للحصول على رغيف الخبز، ولكن الآن الرغيف يقف صفوفا في انتظار الناس». وفتح الرئيس ملف وحدة أراضي السودان، معبرا عن توافقيته والناخبين، العض بالنواجذ على الحفاظ على اتفاق السلام الممهور توقيعا مع أبناء الجنوب مطلع 2005م، رغم الاستفتاء الذي سيجرى مطلع 2011م لتخيير الجنوبيين بين نسيج السودان بكامل جغرافيته وعافيته أو الانفصال. المستنتج أن برنامج الرئيس البشير يرتكز على دعامتي (التنمية والاستقرار)، مقارنة بأن حكومة الصادق المهدي التي سبقت النظام الحالي، لم ترد موارد رضى السودانيين، فغابت أدوات ومعاول التنمية، استفحلت أزمات الماء والغذاء والدواء، قوات جون قرنق على مرمى حجر من المركز واستشرى الفساد في دواوين الدولة، إلى الحد الذي وسمها البشير: إن هذه الحكومة أورثت البلاد الفقر والغلاء والندرة وتردي الأمن، مستدعيا أنه وجد في خزينة الدولة لدى تسلمه السلطة مائة ألف دولار وقمحا يكفي البلاد ثلاثة أيام، لكن نظامه أنهى هذا الوضع كلية، وأحدث نقلة في الاقتصاد السوداني؛ عبر شق الطرق وإقامة المصانع وتنمية الاكتشافات البترولية. الرئيس البشير يؤكد أيضا، أنه ما زال لديه ما يعطيه للسودان، وأن خبرته تعطيه القدرة على مواصلة تطبيق برنامجه الرامي إلى تحويل السودان إلى دولة صناعية وزراعية. ويتوقع العالمون ببواطن الأمور أن فرص نجاح الرئيس البشير تظل عالية، متقاطعين في ذلك مع ما نقل عن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي يراقب الانتخابات السودانية، والذي قال إنه لا يعلم بعد ما إذا كان الرئيس البشير سيحصل على الأغلبية في الدورة الأولى، وأنه يرجح أن تجرى دورة إعادة بينه وبين الشخص الثاني الذي يحصل على ثاني أكبر عدد من الأصوات. وتبصرا، دعا الرئيس عمر البشير أطياف المعارضة في وقت سابق، إلى إجراء محادثات بغية تجنب المصادمات في الانتخابات العامة بعد تهديد المعارضة بمقاطعتها. وأفصح لدى مخاطبته افتتاح دورة جديدة للمجلس الوطني (البرلمان): «نرغب في انتخابات دون عنف، وأدعو كل الأطراف للحوار بهدف تهيئة الأجواء اللازمة لإجراء الانتخابات»، محفزا القوى السياسية على ضرورة مد جسور التعاون بينها، والابتعاد عن الممارسات الخاطئة والعنف من أجل مصلحة الوطن، حتى يقدم السودان للعالم نموذجا في الممارسة الدستورية الراشدة. وكان أكثر من 20 من أحزاب المعارضة، فضلا عن الحركة الشعبية لتحرير السودان شريك حزب المؤتمر الوطني في الحكومة، قد هددت في ختام مؤتمر عقدته في جوبا بمقاطعة الانتخابات ما لم ينفذ الحزب الحاكم سلسلة من الإصلاحات. وتتضمن الإصلاحات تشريعا يكفل استقلال وسائل الإعلام وإصلاح قوات الأمن السودانية التي تتمتع بسلطات واسعة. وكان مسؤول في الحركة الشعبية لتحرير السودان (الحزب الحاكم في جنوبي السودان) قد حمل الجيش السوداني مسؤولية التصعيد في التوترات القبلية في الإقليم. وقال أتيم سايمون ضابط الاتصال في الحركة الشعبية في وقتها، إن رئيس الحكومة الإقليميةلجنوبي السودان سلفاكير ميارديت عقد مؤتمرا صحافيا شجب أعمال العنف التي وقعت في ولاية جونقلي. وجوبهت الدعوة التي أتت على لسان زعيم حزب المؤتمر الشعبي السوداني المعارض حسن الترابي إلى عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة إلا بمعالجة ملفي الحريات وأزمة دارفور، بردود فعل متباينة في الساحة السياسية السودانية. ففي الوقت الذي أمنت فيه القوى السياسية المشاركة في ملتقى جوبا الذي شارك فيه 20 من أحزاب المعارضة السودانية، فضلا عن الحركة الشعبية لتحرير السودان الشريك الثاني في حكومة الوحدة الوطنية، على الدعوة، وصفها حزب المؤتمر الوطني الحاكم بتصرف العاجز، مؤكدا التزامه بإجراء الانتخابات في موعدها دون انتظار لمشاركة أي قوى سياسية مهما كان وزنها. وأبدى علي عثمان محمد طه نائب الرئيس السوداني في الحكومة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، استغرابه لما أثير حول مقاطعة الأحزاب للانتخابات حال عدم استجابة الحكومة لمطالبها. وقال في تصريحات صحافية «كان على الأحزاب أن تكون الأحرص على قيام الانتخابات في موعدها لادعائها بأن الحكومة الحالية لا تمثل الشعب أو تعبِر عنه»، مشيرا إلى أن هذا الموقف يعبِر عن عجز في مواجهة المسؤوليات الوطنية. وعد الانتخابات محطة فارقة ومهمة في تاريخ السودان، مقرا أن موقف الحكومة هو الالتزام بقيامها في موعدها الذي حدد من قبل وفق الدستور واتفاقية السلام الشامل الموقعة بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية عام 2005 التي أنهت أكثر من 20 عاما من الحرب الأهلية في جنوبي السودان. ونحسب أن العالم شرع في أخذ عملية الانتخابات في السودان مأخذا الجد، حين أعلن الاتحاد الأوروبي دعمه للعملية الانتخابية من خلال إرسال مراقبين، وكذلك الجامعة العربية، الاتحاد الأفريقي والصين وغيرها. وقد وصل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر إلى السودان للوقوف على عملية الانتخابات. ووعد بدعم مركزه لعملية الانتخابات من خلال تدريب المراقبين المحليين، إضافة إلى تكليف 60 مراقبا للعملية الانتخابية. هكذا ينظر العالم إلى الانتخابات السودانية، باعتبارها مخرجا مهما لحلحلة قضايا وطنية كبرى، إضافة إلى أن من مخرجاتها الرئيسة المرتقبة انفاذ استحقاقات التحول الديمقراطي في البلاد، بينما بعض الأحزاب السياسية في انتظار سيناريو اللحظات الأخيرة بإعلان الانسحاب أو المقاطعة، دون التروي في تداعيات مثل هذا الأمر على البلاد والعباد. ويتعين في هذا الصدد، على الأحزاب والقوى السياسية والأفراد المشاركين في الانتخابات على المستويين الرئاسي والولائي، الاستئناس إلى المناظرات السياسية الانتخابية الثنائية أو الجماعية عبر لقاءات أو برامج تلفزيونية، ليشكل هذا الاتجاه منعطفا جديدا في احترام المرشحين بعضهم لبعض، وتمكين الحاضرين والمشاهدين من معرفة حقيقة مواقفهم ومعالجاتهم لقضايا الوطن والمواطنين، لتتمايز الصفوف في يوم الاقتراع. مرجعيات: * متاهة قوم سود ذوي ثقافة بيضاء د. الباقر العفيف. * الهوية: أبكر آدم إسماعيل. * محاضر ومنشورات. عثرات جنوب السودان (2.500) ضحايا الاشتباكات العرقية في عام 2009. (400.000) عدد النازحين بسبب هذه الاشتباكات. (7) عدد الولايات التي شهدت اشتباكات (مجموع الولايات 10). (2.7) مليون انتشار الأسلحة الصغيرة. (4.3) مليون عدد الأشخاص الذين سيحتاجون إلى معونات غذائية في وقت ما خلال عام 2010. (1.5) مليون عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي (العدد السابق مليون). (85) في المائة نسبة الخدمات الصحية التي تقدمها المنظمات غير الحكومية. (85) في المائة نسبة الأمية. (57.9) العمر المتوقع عند الولادة. (14.8) في المائة معدل سوء التغذية الحاد. (2.054) معدل الوفايات النفاسية. (48 في المائة) السكان المفتقرون إلى المياه النظيفة. أبرز الأحزاب المشاركة في الانتخابات السودانية * حزب وحدة وادي النيل * الاتحاد الاشتراكي السوداني * الأنيانيا الجبهة الإسلامية القومية * جبهة الجنوب * الحركة الشعبية لتحرير السودان * حزب الاتحاد الوطني السوداني الأفريقي (سانو) * حزب الأحرار * حزب الأمة * الحزب الجمهوري الاشتراكي * الحزب الشيوعي السوداني * مؤتمر البجة * الحزب الليبرالي السوداني * حزب الأمة القومي * الحزب الاتحادي الديموقراطي * حزب المؤتمر الشعبي * حزب المؤتمر الوطني * حركة تحرير السودان * حركة العدل والمساواة * جبهة الشرق * حركة حق السودان * حزب المؤتمر السوداني (المستقلون) * المنبر الديموقراطي لجبال النوبة * حركة كوش * تنظيم القوى المستقلة الحرة * التحالف الفيدرالي الديموقراطي السوداني