فقلت: دعوا قلبي وما اختار وارتضى فبالقلب لابالعين يبصر ذو اللب؟! وما تبصر العينان في موضع الهوى ولا تسمع الأذنان إلا من القلب. •ما معنى هذا الكلام الرفيع من كلمات بشار بن برد؟! أن القلب في موطن الهوى.. يبصر قبل العين.. ويسمع قبل الأذن!؟ •وأن القلب.. يتلفت.. ويبصر ويتكلم.. في عالم الشعر..؟! •ولا تخلو أغنية عاطفية.. من تحميل القلب مسؤولية الحب..!! فهو الذي خفف.. وهو الذي ارتبط.. وهو المسؤول عما جرى.. وعما يجري.. وعما سوف يجري أيضا.! •ويرسم العشاق صورة قلب على جذع شجرة.. ثم يحفرون داخله حروف أسمائهم الأولى. هم يؤكدون.. أن مكان الحب.. هو القلب. •بل ما هو أكثر.. فهناك فكرة شائعة تقول: إن العقل والمشاعر ينبعان من القلب.. وليس من الرأس! •وعلى ذلك فنحن نحيل موضوعات ومسؤوليات كثيرة إلى القلب. •فنصف الشخص القاسي.. بأن قلبه من صخر. ونقول عما حفظناه جيدا.. إننا حفظناه عن ظهر قلب. •أيضا فقد كان قدماء المصريين يضعون المخ في مرتبة أدنى لدرجة أنهم كانوا يفرغون الرأس منه وقت التحنيط تمهيدا للحياة الأخرى.. فليس هناك في رأيهم حاجة للمخ وقت الحساب في السماء.. لإنه ليس مسؤولا عن أي شيء. •وبعد زمن طويل جاء الأطباء ليقولوا: •مثل هذه التعبيرات غير علمية: أحبك من قلبي!؟ •فالحب والكراهية.. والخوف والجبن والغيظ والحسد.. كلها من فوق كتفيك.. من عقلك؟! •وان المخ.. هو المسؤول عن الحب.. لأنه يشعر ويحس ويرسل هذه الأوامر إلى القلب على شكل رسائل عصبية تظهر عليه هذه المشاعر التي تؤدي إلى انقباض النفس أو ارتياحها وبهجتها. •وقولوا: صحيح.. كلمة القلب أروع وأجمل.. ولكن مع الأسف هو ليس كذلك. •فالقلب.. مضخة «كابسة ماصة» أي تكبس الدم إلى الجسم ثم تمتصه لتقوم بغسله وتطهيره وإعادته إلى 60 ألف كيلومتر من الشرايين والعروق والشعيرات.. وهذا القلب لا يتوقف عن الحفقان منذ الميلاد.. وحتى نهايات العمر. •واستقر الأطباء على ذلك وصدق الشعراء والأدباء والعشاق ذلك. •ولكن أحدث الأبحاث العلمية.. أثبتت أن العلاقة بين المخ والقلب ذات اتجاهين.. ذهابا وإيابا.. وليس كما كنا نعتقد من أنها علاقة ذات اتجاه واحد من المخ إلى القلب! •وأدخل لأول مرة في تاريخ الطب تعبير (مخ القلب).. وأن للقلب بالفعل جهازا عصبيا خاصا به.. ويعمل بشكل مستقل عن الأعصاب المخية.. ويستطيع هذا المخ أن.. يتعلم ويتذكر ويشعر ويحس ويخاف ويؤمن.. وتترجم هذه المشاعر على شكل إشارات عصبية ترسل من القلب إلى المراكز العليا بالمخ.. التي تستجيب من خلال الإحساس والتقسيم واتخاذ القرارات في الإفتاء. •وجاءت كل آيات القرآن الكريم لتجعل من القلب موضعا للحب والبغض والتقوى والإيمان.. والفهم والتعقل.. في قوله تعالى (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب). والقلوب في القرآن.. حاملة لهذا المعنى.. إحدى وعشرين مرة. •إذن.. لا شك أن منزلة القلب في البدن منزلة عظيمة.. فهو الملك وباقي الأعضاء جنوده يأتمرون بأمره. فالأعضاء كلها تكتسب منه الاستقامة وتتبعه فيما يعقده من العزم.. فإن صلح القلب.. صلحت الجوارح.. وإن فسد القلب.. فسدت الجوارح.. والله أعلم. (وفوق كل ذي علم عليم). قالوا: من تذوق الحب بالقلب.. لا يستطيع الحب بالعقل! * طبيب باطني