الخيال هو مصدر الشعر والفنون والآداب والحب اللاهب أيضاً.. العينان بدون خيال كأنهما نظارتان بدون عينين، ولو كان النظر 6/6 فبدون الخيال لا مجال لأي فن أو إبداع.. ومن هذا أن الشعراء المكفوفين أبدعوا في التشبيه وتقديم الصور الفنية الموحية رغم أنهم لا يرون.. لا يرون بأعينهم ولكنهم يرون بخيالهم وهو مادة الإبداع.. يقول أبو العلاء المعرى: «فكأني ما قلت والليل طفل وشباب الظلماء في عنفوان ليلتي هذه عروس من الزن ج عليها قلائد من جمان هرب النوم عن جفوني فيها هرب الأمن عن فؤاد الجبان» فجاء بتشبيهات حسية ومعنوية رائعة رغم أنه لم ير الدنيا بعينيه قط.. ويقول المعري في الرثاء: وما كلفة البدر المنير قديمة ولكنها في وجهه أثر اللطم» ويقول في تجميل الشيب: «خبريني ماذا كرهت من الشي ب فلا علم لي بذنب المشيب أضياء النهار أم وضح اللؤ لؤ أم كونه كثغر الحبيب؟ وأذكري لي فضل الشباب وما يج مع من منظر يروق وطيب غدره بالخليل أم حبه لل غي أم أنه كعيش الأديب؟» ويقول: «والخل كالماء يبدي لي ضمائره مع الصفاء ويخفيها مع الكدر» وقال بشار في تشبيه مركب متحرك: «كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه» وإذا تساوى الشاعران في الموهبة فلا شك أن المبصر أقدر من الكفيف على إبداع التشبيه.. ولكن الأخير رغم أنه لم ير الدنيا يعمل خياله وثقافته ويستعين بحسه وحواسه عن طريق الأنف والأذن واللمس، والله جل وعلا يعوض العميان بقوة الحس، كما أن الخيال يشتعل عند المبدعين مبصرين وغير مبصرين.. من تشبيهات بشار 1) - «ولها مبسم كغر الأقاحي وحديث كالوشي، وشي البرود» 2) - «طال هذا الليل بل طال السهر ولقد أعرف ليلي بالقصير وكأن الهم شخص ماثل كلما أبصره النوم نفر» 3) - «إذا سفرت طاب النعيم بوجهها وشبه لي أن المضيق فضاء» 4) - «وتخال ما جمعت عليه ثيابها ذهبا وعطراً» 5) - «فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى فبالقلب لا بالعين يبصر ذو اللب وما تبصر العينان في موضع الهوى ولا تسمع الأذنان إلا من القلب» 6) - «قد ألبس العيش ذا الرقاع ولا ألبس ثوب الإخاء منخرقا» 7) - «وحديث كأنه قطع الر وض وفيه الصفراء والحمراء» 8) - «كأنما خلقت من ماء لؤلؤة فكل أعضائها وجه بمرصاد» 9) - «ودعجاء المحاجر من معد كأن حديثها ثمر الجنان إذا قات لمشيتها تثنت كأن عظامها من خيزران» 10) - «ومرتجة الأرداف مهضومة الحشا تحور بسحر عينها وتدور إذا نظرت صبت عليك صبابة وكادت قلوب العالمين تطير» 11) - «أني - ولم ترها - تهذي؟ فقلت لهم: إن الفؤاد يرى ما لا يرى البصر»