يرى قاضي القضاة في فلسطين الدكتور تيسيربن رجب التميمي، أن الوضع الفلسطيني الحالي بلغ ذروته من الصعوبة والمعاناة، معربا عبر حواره مع «عكاظ» عن خشيته «أن نستيقظ في يوم من الأيام ونجد المسجد الأقصى قد هدم». وأفاد التميمي أن القدس تتعرض لتهويد منظم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد أن عزلت عن محيطها الفلسطيني جراء جدار الفصل العنصري الذي غلفها من جهاتها الأربع. التميمي يلحظ أن ما تفعله إسرائيل من إجراءات تهجير أبناء المدينة قسرا عن طريق فرض الضرائب الباهظة عليهم وهدم بيوتهم ونزع أراضيهم ومحاربتهم في أرزاقهم والتضييق عليهم في كل مناحي الحياة أدى إلى تدهو الأوضاع. وطالب التميمي الأمة بالتحرك على وجه السرعة لإنقاذ مدينة القدس والضغط على حكومة إسرائيل، لوقف مخططاتها التهويدية وهدمها وما تقوم به من حفريات، وبين أن فتاوى حاخامات اليهود المتطرفة ساهمت في زيادة التطرف لدى الجنود الإسرائيليين وكانت الحصيلة المجازر الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، وبين التميمي دور علماء وقضاة فلسطين في توجيه النصيحة للفصائل السياسية المتنازعة، مؤكدا أن الوحدة الوطنية هي الصخرة الصماء التي تتكسر عليها كل المؤامرات. ورأى التميمي أن الحوار الإسلامي اليهودي لا يمكن أن يحقق فائدة لأن إسرائيل متغطرسة وترفض كل وسائل السلام، ولا تريد السلام، وإنما تخطط للاستيلاء على الأرض وتشريد الشعب الفلسطيني من أرضه. وشدد التميمي إلى أن تعيين قاضيات في فلسطين يعتبر يوما تاريخيا بالنسبة للقضاء في فلسطين، لأن تولية المرأة لهذا المنصب سيحقق عدالة أكبر، خصوصا في المشاكل الزوجية، مفيدا أنه لا حرج شرعي من تولي المرأة منصب القضاء، فإلى تفاصيل الحوار: مخططات العدو • ما هي أبرز مخططات العدو الإسرائيلي في تهويد مدينة الأقصى؟ - حاولت جهات يهودية الاستيلاء على مصلى رابعة العدوية الواقع على جبل الطور في مدينة القدسالمحتلة قبالة المسجد الأقصى، لأنها تريد تحويل مصلى رابعة العدوية إلى كنيس ومزار يهودي، ضمن خطوات صهيونية متواصلة لتهويد القدس، وقد كشفنا جزءا من مخططات الاحتلال من خلال زيارة تفقدية قام بها وفد من مؤسسة الأقصى، بهدف بحث سبل المحافظة على مصلى رابعة العدوية وسنواصل فعالياتنا لحفظ مقدسات القدس بالتعاون والتنسيق مع أهل القدس ودائرة الأوقاف في القدس، وسنعمل على إحباط مخططات الاحتلال المستهدفة لمصلى رابعة العدوية، الدفاع عن القدس • ما هو دوركم في القدس مع الجهود التي تبذلونها مع الشيخ رائد صلاح والشيخ عكرمة صبري، لمنع تهويد القدس الشريف؟ - كل المؤسسات الفلسطينية في القدسوفلسطين تقوم بجهود لكشف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى الاستغاثة بمؤسساتنا ومنظماتنا الدولية، مثل منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم في عضويتها كل الدول الإسلامية والتي تأسست بعد حريق المسجد الأقصى، خصيصا لإنقاذ القدس الشريف وللوقوف في وجه ما تقوم به إسرائيل من مخططات، ونحن نقوم فقط بدور إعلامي لأن إسرائيل لا تسمح لنا بأن نقوم بأمر آخر، وقد قدمت إلى المحاكمة وصدر ضدي حكم بالسجن لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ بسبب دخولي إلى المسجد الأقصى دون إذن من سلطات الاحتلال والتحريض ضدها، فالأمر خطير للغاية والشعب الفلسطيني في حكم الأسير، ولكنه رغم ذلك يقدم التضحيات الجسام وانتفاضة الأقصى خير دليل على ذلك عندما دخل شارون إلى المسجد الأقصى مستخفا بمشاعر الأمة، وقال إنه يقف على جبل الهيكل عندها تصدى له أبناء الشعب الفلسطيني وقذفوه بالأحذية والحجارة فانتقم منهم في اليوم التالي وأطلق نيران طائراته على المصلين واشتعلت نيران انتفاضة الأقصى المباركة وسقط أكثر من 5500 شهيد واعتقل عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني وجرح كذلك عشرات الآلاف وهدمت عشرات الآلاف من البيوت، وشهد الشعب الفلسطيني حصارا اقتصاديا لم يسبق له مثيل، فالشعب الفلسطيني قدم وما زال يقدم وسوف يقدم في المستقبل التضحيات الجسام في الدفاع عن مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم، ولكن الأمر يحتاج لمساندة من أمتنا ونحتاج إلى إسناد ووقوف أمتنا والتدخل لإنهاء حالة الانقسام في الشارع الفلسطيني وبين الفصائل المختلفة، لأن الوحدة الفلسطينية هي أهم مرتكزات مقاومة الاحتلال. • تم اعتقالك أكثر من مرة من قبل قوات الاحتلال، ألا ترى أنها وسيلة لإخماد الثورة الفلسطينية التي تحاول الدفاع عن المسجد الأقصى؟ - اعتقالي ومحاكمتي سياسيh لبطلان أساسها القانوني ولعدم شرعية وصلاحية هذه المحكمة «الاحتلالية»، وهي تأتي في سياق تهويد المدينة المقدسة للاستفراد بالمسجد الأقصى المبارك، والعمل على إسكات أي صوت يفضح المخططات الصهيونية الهادفة إلى هدمه وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، وهذه الإجراءات التي تمارسها سلطات الاحتلال الصهيوني وبقرار سياسي من السلطات الصهيونية بحقه لن تثنينا عن الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى المبارك، ولن تستطيع منعنا من الدخول إلى المدينة المقدسة والصلاة في المسجد الأقصى المبارك، ولن استأذن سلطات الاحتلال السماح لدخول مدينة القدس، والصلاة في المسجد الأقصى المبارك، حتى لو أدى ذلك إلى تصاعد الهجمة الصهيونية الشرسة ضدي. وسبق ورددت على استئناف محاكمتي، أن مدينة القدس المباركة أرض فلسطينية محتلة وقوانين الاحتلال الصهيوني لا تنطبق عليها، كما أن «إسرائيل» لا حق لها في مدينة القدس لا تاريخيا ولا حضاريا، وقرار ضمها قرار باطل استنادا إلى القرارات الدولية العديدة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي بخصوصها وإسرائيل مهما حاولت إخفاء «جرائمها» بحق القدس والمقدسات الإسلامية، فإنها لن تنجح، ولابد أن تحاسب على تلك الجرائم ما دام صاحب الحق يطالب بحقه. فتاوى الحاخامات • هل ساهمت فتاوى حاخامات اليهود بقتل الفلسطينيين وانتهاك حرمة المنازل والاستيلاء عليها في تعقيد الأمور ؟ -نعم تسهم كثيرا وسبق وحذرت من ارتكاب مجازر وحشية ضد الفلسطينيين ردا على الفتاوى التي أطلقتها مؤخرا مجموعة من حاخامات اليهود المتطرفين ومنها إصدار الحاخام الأكبر في جيش الاحتلال الإسرائيلي الإرهابي اشيغاي رونتزكي فتوى لأفراد جيش وشرطة الاحتلال يقول فيها، «إن اللعنة تقع على كل من منع سيفه من الدم وكل من لم يقاتل بكل قواه ومن يشفق على العدو أو يظهر الرأفة تجاهه في وقت لا يجب فيه الشفقة»، في إشارة منه إلى الفلسطينيين، وهذه الفتوى ليست الوحيدة التي تدعو لقتل الفلسطينيين والعرب، مستذكرا فتاوى الحاخامات المتطرفين أمثال أفي روتنسكي والتي يدعو فيها لقصف البيوت الفلسطينية من الجو على سكانها، وفتوى يسرائيل روزين رئيس ما يسمى ب «معهد تسوميت» والتي جاء فيها، أن حكم التوراة ينص على قتل الرجال والأطفال وحتى الرضع والنساء والعجائز، وفتوى يتسحاق شابيرا، والتي تبيح قتل العرب من خلال إصداره كتاب اسماه «توراة الملك»، وفتوى عوفاديا يوسيف الرئيس الروحي لما يسمى ب «حركة شاس» والتي جاء فيها إن «قصف العرب والفلسطينيين بالصواريخ ومحق نسلهم واجب على كل يهودي»، وفتوى مردخاي الياهو التي يدعو فيها لقتل جميع الأطفال والنساء والرجال الفلسطينيين والعرب، فجميع هذه الفتاوى تبين أن المواطن العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص أصبح مستهدفا أكثر من أي وقت مضى من قبل المتطرفين اليهود في مختلف أنحاء العالم، كما أن المؤسسة الرسمية الإسرائيلية تقدم الدعم بشكل كامل لهؤلاء الحاخامات من خلال قيامها بإنشاء معاهد دينية عسكرية خاصة، يتلقى فيها جنود الاحتلال علومهم الدينية أثناء الخدمة العسكرية، حيث تشكل الفتاوى التي تصدرها المرجعيات الدينية اليهودية أهم المواد الدراسية في هذه المعاهد لتطبيقها بشكل عملي، كما يتم توزيع الفتاوى بشكل دوري على مختلف أفراد جيش الاحتلال، فالمتطرف اليهودي يتمتع بحريته ويترك طليقا إلى أن يضرب ضربته الإرهابية، وأستذكر ما حصل في الحرم الإبراهيمي الشريف والمسجد الأقصى المبارك وكفر قاسم وقبية وصبرا وشاتيلا ودير ياسين وشفا عمرو وعيون قارة وحرب غزة الأخيرة وما يجري ضد مدينة القدس ومقدساتها. لذلك فإني أطالب اللجنة الرباعية والمجتمع الدولي وجميع المنظمات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن إلى استنكار هذه الفتاوى والضغط على حكومة الاحتلال لعدم الانجرار وراء الفكر اليهودي المتطرف الذي يدعو إلى العنف وسفك الدماء والتنكر لدعوات السلام. فهذه القرارات لا تمثل جميع النصارى، لأن هناك فئات كثيرة تتعاطف مع المسلمين عموما والفلسطينيين خصوصا، كما أن هناك جماعات ضغط يهودية تسهم في خروج مثل هذه القرارات التي توسع الهوة بين المسلمين والمسيحيين، لذلك فالتجاوزات حاصلة ولكن علينا أن نتعلم كيف نواجهها بشكل يحفظ حقوقنا ولايسيء إلينا. • تعاني فلسطين من حالة اقتتال داخلي، ما هو دوركم كعلماء في إذابة هذا الجليد؟ - نقوم بدور النصيحة، حينما كان الاقتتال بين الفصائل المختلفة بيننا الحكم الشرعي فيه، وأكدنا أن هذا الاقتتال يصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي. قمنا كذلك بإسداء النصيحة للإخوة في غزة بأن يقوموا بإنهاء الإجراءات التي أدت إلى هذه القطيعة وبدء حوار جاد للوصول إلى حالة من الوفاق والاتفاق والوحدة بين فتح وحماس، لنستعيد قوة الشعب الفلسطيني وأعتقد أن القوة الوحيدة والسلاح الأقوى بيد الشعب الفلسطيني هو الوحدة الوطنية وهي الصخرة الصماء التي تتحطم عليها كل المؤامرات والسلاح البتار في مواجهة قوات الاحتلال. • ماذا عن دعوات الحوار الإسلامي اليهودي؟. - لا يوجد تقارب بين الأديان، الله سبحانه يقول: (لكم دينكم ولي دين) لا يمكن أن نضع الإسلام لنتقارب مع الأديان الأخرى، وإنما هناك حوار بين أتباع هذه الديانات للتعايش فيما بينها، وإيجاد صيغة من التفاهم ونبذ الأسباب التي تؤدي إلى العنف والحروب. الحوار الإسلامي اليهودي لا يمكن أن يحقق فائدة لأن إسرائيل متغطرسة ولا يمكن أن يؤتي مثل هذا الحوار مع حاخاماتهم أي نتيجة، لأن إسرائيل ترفض كل وسائل السلام ولا تريد السلام، إنما تخطط للاستيلاء على الأرض وتشريد الشعب الفلسطيني من أرضه. الدليل على ما أقوله هو ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية كل يوم من تدنيس للمسجد الأقصى وانتهاك لقدسيته، وخاصة من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة بقيادة حاخامات إسرائيل هم الذين يحركون الحكومة الإسرائيلية للمساس بقدسية المسجد الأقصى. هؤلاء لن يجدي الحوار معهم، لأنهم يؤصلون للعنف المستمر ضد المسجد الأقصى، وضد الشعب الفلسطيني. • إذن ترون أن المقاومة المسلحة هي السلام الفعال في وجه العدو الصهيوني الذي اغتصب الأرض لإخراجه منها؟ - منذ زمن بعيد ونحن نحاول عن طريق المفاوضات حل القضية الفلسطينية. إسرائيل جعلتنا ندور في حلقة مفرغة عن طريق هذه المفاوضات. إسرائيل كما خبرناها منذ عام 1967م لن تعيد ما أخذته. سياستهم هي الاستيلاء على الأرض وهدم البيوت. ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من إقامة لجدار الفصل العنصري، يؤكد أنها لا تريد سلاما. الدعوة للمفاوضات من قبل إسرائيل، هي لكسب الوقت فقط. هناك مخطط صهيوني يتم بشكل ممنهج ومدروس للاستيلاء على الأرض وتشريد الشعب. لكني أقول إنه إذا ما قامت الدول العربية والإسلامية من خلال جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بعمل جاد، ولو كان سياسيا أو دبلوماسيا، فإنها تستطيع أن تحقق نتائج حقيقية لردع هذا الكيان الذي يستخف بكامل الأمة ويستهزأ بكرامتها وشرفها وعقيدتها. الأجدى من المقاومة، لأن الشعب الفلسطيني لن يتوقف عن مقاومة الاحتلال بكل السبل والوسائل، ولكن التحرك العربي والإسلامي الجاد في المحافل الدولية يمكن أن يؤثر على الموقف الإسلامي إذا ما أثر في الموقف الأمريكي، لأن أمريكا هي التي تستطيع كبح جماح الكيان الإسرائيلي الذي يعتدي على كل شيء في فلسطين. في أيدينا كشعوب عربية وإسلامية، أوراقا كثيرة يمكن أن تستغل للضغط على أمريكا والدول التي تؤثر على إسرائيل. تصريف الدعوات • كقاض لقضاة فلسطين كيف تصرفون أمور القضاء الفلسطيني في ظل الاحتلال من جهة، وحالة الاقتتال الداخلي من جهة أخرى؟ - نحن نعمل في ظروف استثنائية نتيجة لإجراءات الاحتلال، الإغلاق المستمر والحصار والحواجز العسكرية وانقطاع الاتصال بيننا وبين قطاع غزة. نحن نعمل في ظروف قاسية ونصرف أمورنا بصعوبة بالغة. • تثير قضية تعيين قاضيات خلافا فقهيا دائما، لكنكم عينتم نساء برتبة قاضيات في فلسطين.. ما مستندكم الشرعي في ذلك؟ - تعيين قاضيات في فلسطين يعتبر يوما تاريخيا بالنسبة للقضاء في فلسطين، وخصوصا القضاء الشرعي، لأن تولية المرأة لهذا المنصب سيحقق عدالة أكبر، خصوصا في ظل المشاكل الزوجية التي تكون فيها المرأة طرفا في هذه النزاعات والخصومات، وعندما تبين وقائع الدعوى أمام القضاء الشرعي ويكون القاضي امرأة من جنسها سيساعد في تحقيق العدالة لها، والمرأة في فلسطين تبوأت مناصب رفيعة، واستندنا إلى الأحكام الشرعية وآراء المذاهب الفقهية في ما يجوز لها الشهادة فيه، وهذا الرأي هو رأي السادة الأحناف وابن حزم الظاهري والطبري.