نشأت في غرب مكة سوق بكر قبل نحو عشرين سنة عندما توفي رجل من أفريقيا يدعى «بكر» كان يتخذ من حراسة أرض مسورة مهنة له.. تحول السور عقب رحيل الرجل الأفريقي إلى مكان لتجمع أبناء جلدته، ما لبث أن غدا ذلك الالتقاء اليومي ملتقى للبيع والشراء إذ يعمد الرجال إلى عرض الخردة واللحم الفاسد وشراء مخلفات البناء من حديد وبلاستيك وبلاط، ويقصده السارقون للتخلص من حاجيات نهبوها. بكل بساطة سوق بكر الواقعة في شارع المنصور سوق تعج بالمخالفات بدءا من الأشخاص وانتهاء بالذباب الذي يحوم على لحمة نيئة بجانبها نار تشتعل بغية الشواء. «عكاظ» جالت في السوق وخرجت بالتفاصيل التالية: اتخذت الجالية الأفريقية في مكة من سوق بكر مكانا لعرض البضائع المستهلكة، بدءا من الأخشاب، الحديد، أدوات السباكة والكهرباء، المواد الغذائية، الأبواب، والسجاد. وتتمتع السوق برواج كبير في أوساط ذوي الدخول المتوسطة الذين يجدون فيها ما يبحثون عنه بأسعار في متناول أيديهم، لكن السوق مليئة بالمخالفات فالبضائع مجهولة المصدر -بحسب أحد الباعة-، والبائعون في السوق جلهم من مخالفي نظام الإقامة، وطريقة العرض والطلب أقرب ما تكون إلى السرقة، ويمكن الاستدلال على ذلك حينما يدلف إلى باحة السوق شاب يحمل معه بضاعة ما، إذ تظهر على البائع والشاري حالة من الارتباك تتمثل في الالتفات يمينا ويسارا، يعززها وقوف أطفال فوق عمر العاشرة على مداخل السوق بقصد المراقبة. إنها سوق مريبة بالفعل وغريبة في الوقت ذاته، استنتاج تم التوصل إليه مما ذكره البائع محمد .ه «كل شيء يباع هنا، والناس يأتون إلينا من جدة والطائف ومن ضواحي مكة، وزبائننا من المقيمين والمتخلفين، يشترون حديد التسليح والأبواب والشبابيك والأخشاب والموكيت وأدوات السباكة التي نتحصل عليها من أصحاب العمارات المزالة جراء المشاريع، ولكن مع الأسف الشديد هناك كميات كبيرة تتم سرقتها وبيعها هنا بلا رقابة». شعور الأسى هذا لم يمنع محمد. ه من الوجود في سوق بكر لمدة تقترب من العشرين سنة. درج أهالي مكة بالذات على ارتياد سوق بكر من أجل استعادة ما سرق منهم، وفي ذلك يقول سالم جابر «عندما يسرق من أحدنا شيء تجدنا هنا للبحث عنه، وغالبا ما نفلح في العثور على ما سرق منا ونضطر حينها إلى شراء حاجياتنا المسروقة، ماذا نفعل إنه منطق سوق بكر» هكذا قال سالم جابر أحد سكان مكة. الرائحة الكريهة تزكم الأنوف في السوق جراء تناثر النفايات في كل الأرجاء، ووسط ذلك ترى دخان الشواء وقد تصاعد من المكان، ولحوم أغنام وأبقار تبدلت إلى اللون الأسود كدلالة على القدم، والناس تصطف لأكل اللحم المشوي. «اللحم عندما يتعرض للنار تزول كل مسببات تعفنه ويصبح صالحا للالتهام»، هكذا قال عامل مطعم الهواء الطلق وبرغم ما قاله إلا أن منظر اللحم وهو ملقى على الأرض والذباب من فوقة لا يشجع على الأكل بالمطلق حتى ولو كان متبلا بماء الورد. السيارات المتهالكة تجد أيادي تمنحها بعضا من العمر وإن كان محفوفا بالمخاطر، ففي أحد أركان سوق بكر تجد معامل الميكانيكا وفي الهواء الطلق أيضا، وتجد سيارات في أواخر أيامها من ذوات تاريخ الصنع القديم تسلم مصيرها لرجل يضرب بأدواته على كل صلب فيها وتغدو وكأنها في مرحلة تعذيب ما قبل الموت «أنا ميكانيكي وأعمل هنا في معالجة السيارات التي تحتاج إلى إصلاح، وما رغبني في سوق بكر خلوها من تعقيدات المناطق الصناعية، إذ لا مبنى ولا إيجار ولا فواتير كهرباء، والناس يقصدوننا لأنهم غير قادرين على دفع مبالغ كبيرة هناك» هكذا لخص المسألة برمتها عابد كامل العامل مفترش الأرض لممارسة الميكانيكا على سيارات ربع العمر، إنها الفوضى في سوق بكر. ولحديد التسليح المعروض في السوق قصة تبدأ من عملية البحث المضني عنه من قبل مجموعات عمل وسط أكوام البنايات المزالة نتيجة توسعة الحرم المكي، ثم جلبه إلى السوق للعرض بثمن بخس بعيدا عن منطق عملاق الصناعات الأساسية (سابك) في تحديد السعر بالطن، إذ تتم المسألة وفق العرض والطلب من حيث الكمية أو مدى صلاحيته للاستخدام من جديد. ويشكل تجار حديد البنايات المزالة قوة ضاربة في السوق، وغالبا ما تتشكل من مجموعات يقف على رأس كل مجموعة تاجر كبير يعرف خفايا السوق ويجد إليه الزبائن طريقا. إبراهيم محمد من المترددين على السوق يقول «سوق بكر أصبحت سوقا للمسروقات، والعديد من اللصوص يقومون بسرقة المنازل والمتاجر ومن ثم يجدون مكانا لتصريف بضائعهم فيها، وأتمنى من الجهات المختصة إغلاق هذا المكان بأية طريقة كانت، وأفضل طريقة هو تكليف صاحب الأرض المقامة عليها السوق بتسويرها وإغلاقها». تواجه سوق بكر بين وقت وآخر حملات دهم من قبل أمانة العاصمة المقدسة ومن قبل الجهات الأمنية، وحينما تحدث تلك الحملات يهرب العاملون في السوق وعند مغادرة الأمانة أو الجوازات يعودون، وفي ذلك قال أحد مراقبي الأمانة (فضل عدم الكشف عن اسمه) «نشن حملات تفتيش على سوق بكر بعض الأوقات ونحرر مخالفات صحية وبلدية بحق الباعة هنا». من جانبه، أوضح ل «عكاظ» المتحدث الإعلامي في شرطة العاصمة المقدسة الرائد عبدالمحسن الميمان أنه ترد إلى شرطة مكة الكثير من البلاغات عن سوق بكر «وتم توجيه رجال البحث والتحري الذين تم نشرهم في السوق بمرافقة الدوريات الأمنية، واستطعنا أن نحد من الظواهر السلبية التي ظهرت هناك ونطمح للمزيد».