مازال ذلك الحلم/الواقع يؤرق جدة يوم الثامن من ذي الحجة.. يوم النكبة والأسى.. يوم ترملت فيه نساء وتيتم أطفال وسحقت قلوب رجال.. يوم ذلك السيل/ الشؤم على كثير من الأبرياء. ذهبت أول يوم في السنة الهجرية الجديدة إلى الحي المنكوب كيلو 14 مرورا بقويزة وهالني ما رأيت، كنت قد قرأت في الصحف ورأيت صورا حية لما حدث، وراعني ما قرأت ورأيت..أما اليوم فقد لمست الألم وعشت الكارثة وقد مضى عليها 22 يوما، ولكن مازالت بصمات النكبة في كل مكان. بيوت مهدمة، رائحة نتنة تنبعث في المنطقة لا تعلم مصدرها، ناهيك عن كثرة الذباب والبعوض.. فمن لم يقتلهم السيل فهم حتما معرضون لخطر الأوبئة. كهل واقف ينظر بأسى إلى ركام لعله بيته أو بيت جاره الذي دفن تحته.. وأطفال يقفون حول حفرة عميقة جدا من آثار السيل سقطت بها خمس سيارات كما يروي من شاهد، ولا يعرف هل أصحابها أحياء أم مفقودون. شباب الحي يتهامسون بأسى وينظرون إلى الرافعات التي تحاول إزالة ذكريات طفولتهم وجميل أيام قضوها سعداء في كنف أب مفقود وأم أرملة! في الحي كثير من السعوديين وكثير من الأجانب جميعهم ترى في وجوههم الحية أمواتا.. ألم، حزن وصراخ. عدت بعد أن قضيت ساعتين في تلك الأرجاء ولازلت أتجرع صديد الجرح النازف/السيل، عدت وأنا أستعيد ذكريات طفولتي في ذلك المكان/اللامكان.. هناك كان بيتنا الذي دمره السيل.. وفي تلك البرحة كنا نلعب وهذا الركام ركام مدرستي الابتدائية.. عام 1407، كانت ضحكاتنا تملأ تلك الأرجاء، والآن لم يتبق سوى صدى عويل وبكاء.. ترعرت في هذا المكان، كنا نفرح بالمطر إذا هطل نخرج إليه فرحين لأننا لم نألفه، نلعب بالطين ونغني مبتهجين ببراءة. في نفس ذلك المكان (الحارة) وبعد أكثر من عشرين عاما يهطل مطر ولايفرح به أحد.. اغتيلت تلك الأغاني المبهجة وخفي نور البراءة ولم تعد تسمع اليوم إلا أصوات الموتى/المفقودين. أنة قلم.. «هل سنحرك ساكنا لنقضي على الوباء المنتظر؟!. وعد الجهني جدة