للمطر في جدة حكاية مختلفة لا يعرفها إلا من غرقت قدماه في ماء شوارعها ذات يوم مطير، قبل أمس استيقظ سكان جدة صباحا على أجواء جميلة وسماء ماطرة، ساعات قليلة انهمر فيها الماء، تحولت بعدها المدينة إلى بحيرة كبيرة، توقفت معها حركة السير، من كان في سيارته تركها في الشارع ونفذ بجلده مشيا، ومن كان في منزله لزم النافذة لمراقبة منسوب المياه خوفا من أن تجتاح منزله، هذا ما حدث في أحياء شمال جدة. أما في الشرق والجنوب، فالحكاية أصعب من أن تستوعب. ففي حي قويزة الشرقي دهمت الأمطار المنازل وارتفع منسوب المياة ليغرق الحي بأكمله، حتى أن سكان الأدوار الأرضية عجزوا عن البقاء داخل منازلهم الغارقة ولاذوا بالأدوار العلوية والأسطح. ويحكي بندر محمد - من سكان الحي- أنه خرج بعد أن توقف المطر عند الساعة الخامسة عصرا من منزله، فلم يجد سيارته في مكانها. يؤكد أن الشارع الذي يسكن عليه خلا تماما من السيارات بعد أن جرفتها السيول، في اليوم التالي بدأ بندر رحلة بحث مضنية ليجد سيارته محطمة مع مجموعة كبيرة من السيارات على ناصية طريق الحرمين (3 كيلو متر عن منزله). وفي أحياء جدة الجنوبية -غليل والجامعة مثالا- رابطت قوات الإنقاذ لساعات طويلة لمساعدة الأهالي للخروج من منازلهم وهناك منازل أجلي سكانها ونقلوا إلى مراكز إيواء، وفي بحرة- الضاحية الشرقيةلجدة- سقطت منازل شعبية على رؤوس أصحابها ومات من مات. وبين شرايين المدينة الرئيسة، أغلقت الأمطار شوارع حيوية لأكثر من 24 ساعة، وهناك طرق لا زالت مغلقة حتى الساعة. طريق المدينة الطالع أصبح ممرا غير نافذ وطريق الحرمين ذو الأربعة مسارات ضاق بما رحب، أما طريق الملك عبد الله فأصبح نفقه الجديد مزارا للأهالي بعد أن تحول إلى بحيرة كبيرة تلتقط على خلفيتها الصور التذكارية. المشهد الوحيد الذي بعث السعادة إلى النفس، تدخل شبان من جدة لتنظيم حركة السير في مواقع كثيرة والإيعاز للسائقين بالشوارع الخطرة، في ظل انشغال الأجهزة الأمنية بعمليات الإنقاذ والإخلاء ومباشرة الحوادث المرورية. هذا خلافا لتعاطف الأهالي مع بعضهم البعض بمشاركة المتضررين منهم في إيوائهم والبحث عن سياراتهم المفقودة. وبعيدا عن أرقام الوفيات التي أعلنت عنها الجهات الرسمية بسبب الأمطار والسيول ووصلت إلى 77 حالة، يتساءل أهالي جدة، إلى متى سيبقى مطر الخير وبالا على مدينتهم. هناك من يحمل أمانة المدينة مسؤولية المآسي التي وقعت، في ظل غياب البنى التحتية لتصريف مياه الأمطار، وآخرون يجزمون بأن معضلة جدة مع المطر أزلية وتحتاج إلى عشرات السنوات لإعادة تأهيلها بما يضمن سقوط المطر دون مآس وكوارث وأرواح تحصد.