قصص وحكايات مؤلمة أشبه بروايات «الموت والغرق»، يرويها سكان الأحياء المنكوبة جراء الأمطار والسيول التي داهمت جدة الأسبوع الماضي، وما يزال على وجوه الأهالي ألف سؤال عمن يكون المتسبب فيما يقعون فيه مع كل رشة مطر، حينما يأتي الموت فجأة!. «عكاظ» جالت عددا من الأحياء المتضررة في السامر والتوفيق وأم الخير وغيرها من الأحياء المتضررة، وسط مشهد من رجال الأمن والمعدات الثقيلة للدفاع المدني، والتقت عددا من الأهالي الذين اجتمع بعضهم حول نافذة صغيرة يسجلون خسائرهم، وآخرين يبحثون عن زورق يوصلهم إلى منازلهم العائمة، بعد أن أصبحت وسيلة المواصلات الوحيدة لتنقلاتهم داخل الحي. جابر السفري من سكان حي التوفيق شرق جدة، يروي لحظات هطول الأمطار، قائلا: كنت في مكتبي عندما أبلغوني من منزلي أن المياه بدأت في إغراق الحي، ولكني لم أهتم كثيرا لأنه في كل مره يهطل المطر فتغرق شوارع الحي، ولكنني تفاجأت باتصالهم الثاني الذي أبلغوني فيه بأن المياه بدأت تغزو المنزل، وفي إتصال ثالث أخبروني بأن المياه أغرقت الدور الأول من المنازل كاملا، فطلبت منهم التوجه إلى سطح المنزل، وعند الخامسة عصرا وصلت إلى مشارف الحي، فرأيت بأم عيني هول الكارثة والسيل قد دهم الحي والأمطار تغرق الشوارع، بل إن بعض المنازل اختفى نصفه تحت المياه، حاولت الوصول إلى منزلي بأي طريقة، ولكنني لم أنجح ولم أجد رجال الدفاع المدني أو أية جهة أخرى تساعدني في الوصول، فتوجهت مسرعا ووجدت محلا لبيع القوارب المطاطية، فاشتريت واحدا، وبحكم خبرتي وعملي في المجال البحري، جهزت القارب وأبحرت به داخل الحي حتى وصلت إلى منزلي، والتقيت بأسرتي المكونة من عشرة أفراد فوق السطح ينتظرون المساعدة، فيما كانت طائرة الإنقاذ التابعة للدفاع المدني تحلق فوق رؤوسنا؛ ولكن لظروف الطقس لم تستطع إنتشالنا، ومع حلول فجر اليوم التالي، سعدنا برؤية الزوارق البحرية وهي تقترب أسفل المنزل وطلبوا النزول وفي زورقين تم نقلنا إلى بر الأمان، بعد ذلك توجهت مع أسرتي إلى إحدى الشقق المفروشة في شارع الأربعين، وهناك إلتقطنا أنفاسنا غير مصدقين ما حدث!. وأضاف السفري قائلا: بعد أن أمضينا يومين في هذه الشقق المفروشة، تقدمت بأوراقي إلى الدفاع المدني وتكفلوا بسداد الإيجار، ولم تصلني أي مساعدات أخرى. وعن طريقة وصوله إلى منزله الغارق قال: لا يمكنني الوصول إليه إلا عن طريق الزوارق المطاطية، فكلما تذكرت شيئا مهما كأوراق رسمية أو غيرها أحضر إلى هنا، وأطلب من رجال حرس الحدود إيصالي بالزورق وينتظرونني حتى انتهي من البحث عما أريد. على زورق الأحلام وفي حكاية أخرى يروي على القرني قائلا: داهمني السيل وأنا في طريقي إلى المنزل ومعي ولداي، ففكرت أولا كيف أنقذهما وبالفعل أوصلتهما إلى مكان آمن وبعدها جرفني السيل وأنا داخل السيارة إلى أكثر من مائة متر ثم توقفت السيارة وبدأت تغمرها المياه، فتركتها مسرعا، وبعد جهد جهيد وصلت لأسرتي في الدور الثاني، وتمكنا من الخروج بواسطة الزوارق المائية، فيما كنت أنظر إلى جيراني وهم يخرجون من فوق أسطح منازلهم بواسطة الطيران العمودي، وقد سمعنا عن وفاة البعض منهم. زوارق أنقذتنا محمد القرني من سكان حي السامر يروي قصته غير مصدق لما حدث: تعودنا منذ العام الماضي على الغرق مع هطول الأمطار، إلا أن الأمر كان مختلفا هذا العام، ولم نكن نتوقع أن يحدث ما حدث، فمع بداية هطول الأمطار، لزمنا المنزل أنا وأسرتي المكونة من تسعة أفراد، وبعد مرور ساعة تقريبا من هطول الأمطار لاحظنا أن منسوب المياه يرتفع بشكل ملحوظ، وحتى هذه اللحظة لم نكن نتوقع أن الأمور ستسوء أكثر، وما هي إلا لحظات حتى داهمتنا المياه وغطت منتصف الدور الأول، فهرعنا إلى الدور الثاني، وكنا نسمع صوت المياه وهي تتدفق إلى داخل المنزل وتحطم كل ما هو أمامها، حينها فقط أدركنا خطورة الموقف، فحاولنا الاتصال بأقارب لنا يسكنون خارج الحي، ولكن لم يكن بيدهم شيء، فحاولنا الاتصال بالدفاع المدني فأبلغونا بأنهم متواجدون على أطراف الحي، وأن عمليات الإنقاذ والإخلاء في طريقها إلى جميع السكان، إلا أننا انتظرنا مرغمين ما يقارب العشر ساعات، حتى سمعنا هدير أحد زوارق الإنقاذ التابعة لحرس الحدود، فنزلنا إلى الدور الأول، واستقلت مجموعة ذلك الزورق، حتى مجيء زورق آخر فأقل الباقين. يصف محمد تلك اللحظات قائلا: هي لحظات الموت فعلا، فحين تشاهد نفسك محاصرا وسط تلك المياه الجارفة، تشعر بالذعر والهلع، ولكن كان إيماننا بقضاء الله وقدره كبيرا، وبفضله نجونا ولله الحمد. ويضيف: توجهنا بعد ذلك إلى شقق مفروشة، وما زلنا ننتظر حتى تجف المياه ويقل منسوب ارتفاعها لنعود إلى منزلنا، وقبل ثلاثة أيام توجهت إلى إدارة الدفاع المدني لتسجيل الخسائر التي لحقت بنا، فهناك سيارتان طمرتهما المياه، إلا أنهم طلبوا تصوير كل الخسائر بما فيها السيارات وتصوير أرقام اللوحات وإحضار كامل المستندات اللازمة، وحين هممت بالدخول إلى منزلنا لتصوير الخسائر، واجهت صعوبة في ذلك، حتى ساعدني في الدخول رجال حرس الحدود على متن أحد القوارب التابعة لهم، وسأقدم جميع ما يثبت الخسائر التي لحقت بنا أملا في التعويض. موقف مذهل ويتساءل علي العسيري من سكان حي التوفيق شرقي جدة، عن موعد عودتهم إلى منازلهم، فهي على حد قوله أفضل من تلك الشقق المفروشة التي يسكنونها. ويضيف: من لم يعش اللحظات التي عشناها، لا يمكنه أن يشعر بالخوف والهلع، والموت الذي أمامك، فجميع السكان ذهلوا من هول الموقف، فكم من أب تمنى أن يلقى حتفه على ألا يصيب أبناءه شيء، ولكن رحمة الله كانت واسعة، فالخسائر في الأرواح لا تذكر، أما بالنسبة لخسارة الممتلكات فهذا أمر بسيط، وكل شيء يمكن تعويضه، ولكن بفضل الله نجونا في العام الماضي، وأيضا هذا العام، وتكبدنا خسائر كبيرة، فكيف سيكون الوضع في المرات المقبلة !! لذا نطالب المسؤولين بإيجاد حلول عاجلة على أرض الواقع ولا ننتظر تصريحات في الصحف فقط، نريد حلا لهذه المأساة التي نعيشها كل عام، ونريد محاسبة المقصرين، ولكن ما أتوقعه وكثير من سكان الحي أن الحلول ستكون مؤقتة كما هو في السابق!. جرف السيل ولم ينس أحمد الشريف في طريق عودته من مقر عمله في منطقة الحمراء إلى منزله في حي النسيم للإطمئنان على أطفاله الصغار، مشهد أحد العالقين وهو يتشبث بعمود كهرباء ولا أحد يستطيع مساعدته بسبب صعوبة الوصول إليه وسط السيول، وبينما هو على هذا الحال، شاهد طائرة تابعة للدفاع المدني تحوم فوق رأسه، فلوح لها بيده طلبا لإنقاذه، ظنا منه أن هناك من ينظر إليه من الأعلى، غير أن السيل جرفه بعيدا ثم اختفى عن الأنظار!. ويصف الشريف اللحظات العصيبة التي عايشها وهو يشاهد أمواج الطوفان تجرف كل ما يعترض طريقها قائلا: ما حدث كان (كابوسا مزعجا) فبينما كنت أهم بالخروج من الدوام بعد هطول الأمطار، إذا بي لأول مرة أشاهد مثل هذا المطر على مدينة جدة وبهذه الكمية، فحدثت نفسي بأن أصل إلى أسرتي بأسرع ما يمكن، إذ أبلغتني زوجتي بعد اتصالي بهم أن المياه بدأت تدخل إلى البيت ولا تدري ماذا تفعل، فأخبرتها بمغادرة الشقة والذهاب إلى السطح حتى حضوري، ولم يكن في ذهني أدنى تصور عن وضع المياه في الشوارع، وكانت المفاجأة أننا لم نتمكن من العبور بعدما وصل منسوب المياه إلى أعلى مستوى له، فأصبحنا محاصرين!. ويستطرد الشريف في وصف المشاهد التي مرت به: كنت أرى أمامي السيارات ومن في داخلها يجرفها السيل، وصيحات الناس الذين توسطوا الخطر تتعالى، وتجاوبا مع نداءات الدفاع المدني بترك سياراتنا والخروج منها، لم يكن أمامنا سوى اللجوء إلى مبنى وزارة التخطيط القريب، كان الكثير من المتواجدين يقومون بإنقاذ الناس عن طريق الحبال، واحتجزنا إلى المغرب وبيننا أطفال ونساء وكبار في السن، فيما كان الوقت يمضي علينا بطئيا، وفكري مشغول بزوجتي وأطفالي الصغار بعد انقطاع الاتصال بهم، وأنه لا يوجد لديهم طعام، كنا معزولين تماما، فقررت مع أحد المحتجزين الذهاب إلى أقرب متجر لأخذ بعض المواد التموينية، كانت مغامرة حينما دخلنا وسط المياه المرتفعة، لكن محاولتنا باءت بالفشل فعدنا أدراجنا إلى مقر الوزارة إلى حين ينخفض منسوب المياه، ومكثنا إلى ما بعد المغرب، وحينها قررت الذهاب سيرا من حي الحمراء الى حي النسيم للاطمئنان على أسرتي، كنت أسير وسط المياه؛ لأن كل الشوراع قد غمرتها المياه إلى أن وصلت في تمام الساعة الثانية عشرة بعد منصف الليل، دخلت إلى المنزل بصعوبة بالغة، ووجدت المياه قد داهمت كل غرفة وعبثت بكل شيء، ووجدت زوجتي وأطفالي قد احتموا من الخطر بعد مساعدة أحد الجيران، ولم أصدق أنني سوف التقي بهم مرة أخرى فماشاهدته مأساة حقيقية!. وأضاف: في صباح اليوم التالي ذهبت أبحث عن سيارتي، فلم أجدها فقصدت الدفاع المدني وشرحت لهم الوضع بأن شقتي وسيارتي قد تضررت، وكانت ردة فعلهم سريعة حيث وفروا مأوى في إحدى الشقق المفروشة، وبعدها يتم النظر في وضع السيارة. مطلقة وأبناؤها ال 6 وداخل إحدى الشقق المفروشة في حي النسيم، كانت داحشة الأسمري قد أرهقها التعب، فهي تسكن وحيدة مع أبنائها الستة، تقول داحشة: أنا مطلقة أعيش مع أبنائي في بيت شعبي، في حي غليل جنوبجدة، وكانت هذه هي المرة الثانية التي نتعرض فيها للأمطار، فماذا تفعل إمرأة مثلي مكسورة الجناح، أتذكر تماما ما حدث فالبيت الذي أسكنه، قد طاله الخراب في جميع أركانه، وما نريده الآن هو مساعدتنا، فعندما طلبت بطانيات من الجمعية الخيرية، اكتفت بتوفير بطانية واحدة، وحين طلبت بطانيات أخرى لأبنائي، قالوا لي: ضعيهم بجوار بعضهم البعض، فبطانية واحدة تكفيكم!. لا أحد يسمعنا أما محمد عبدالرحيم القرشي وشقيقه حسن، من سكان حي السامر، واللذين كانا في حي التوفيق، حيث آليات الدفاع المدني وحرس الحدود والدوريات الأمنية والمرورية تواصل العمل في سحب كميات المياه، فقد أسرعا نحونا حين شاهدا الكاميرا وقالا : لا أحد يعلم عنا شيئا .. أوصلوا صوتنا .. نريد حلا .. فالأمانة لا تدرك مدى معاناتنا بعد هطول الأمطار ولا حجم الخطر الناجم عن السيول، ثم أخذانا بسيارتهما إلى منزلهما وقد بدا عليهما الغضب من الأمانة، لعدم تجاوبها لمطالبهما المتمثلة في في رفع الضرر عن منزلهما. شفط المياه يقول محمد: تقع بجواري حفرة كبيرة تجمعت فيها مياه الأمطار، وأصبحت مصدر خطر علينا لانتشار البعوض وحمى الضنك، وسبق وأن تقدمت قبل هطول الأمطار بطلب لبلدية بريمان لإيجاد حل لهذه الحفرة ولكن لا مجيب، فأصبحنا نعاني من تراكم النفايات وتجمع المياه بشكل كبير ما جعلنا نسحبها على حسابنا الخاص. البحث عن تعويض وتعكس ملامح محمد الصيدلاني رضاه بالواقع الذي يعيشه حيث قال: ليس في نفسي أي قلق، فما كتبه الله تعالى هو قضاء يجب أن نرضى به، ولكنني أتمنى أن يجد المسؤولون حلولا جذرية لمعالجة الأمور مستقبلا. ويضيف: لقد تضررت من الأمطار مثل غيري، حيث تعطلت سيارتي التي أشتريتها بالتقسيط، وعلي أن أكمل أقساطها، وحينما سألناه ما إذا كان قد ذهب للحصول على تعويض، أجاب: لم أفعل لكنني سوف أذهب و«ربك ييسرها». أطفال التوحد أما علي سعد القحطاني 44 عاما، من سكان حي السامر في جدة، فمازال يعيش حالة من الحيرة مع مرض أبنائه الأربعة، بعد أن عجز عن إيجاد علاج لهم، فتارة يتسلم تقريرا يشير إلى أن أبناءه مصابين بالتوحد، وتارة أخرى بالتخلف العقلي، إلا أنه وعلى حد قوله إن السيول التي داهمت منزلهم أخيرا «زادت الطين بلة» ما أجبره على السكن في شقق مفروشة، ويضيف القحطاني قائلا: رزقني الله بأربعة أبناء ولدين وبنتين الأولى زهراء 12 عاما، طفلة مقعدة على كرسي متحرك مصابة بشلل نصفي واستسقاء في المخ، ما جعلها تعجز عن الحركة، أما عبدالله تسع سنوات، وشهد ثماني سنوات، ومحمد سبع سنوات، جميعهم مصابين بمرض التوحد حسب التقارير الطبية، ولك أن تتخيل أن منزلك يغرق وتداهمه السيول وأنت لا تقوى على الحركة خوفا على أبنائك الذين يتصرفون لا أرديا، ويشعرون بالخوف والهلع من أتفه الأمور، وواحد منهم مقعد لا يقوى على الحركة، ويصف القحطاني لحظات غرق منزله قائلا: استسلمت للأمر الواقع وانتظرت حتى جاء رجال الدفاع المدني وانتشلوني بالزوارق، من وسط المنزل أنا وأبنائي، ومنذ أن سكنت تلك الشقق المفروشة لم أتلقى أي مساعده، تعينني على العيش، فأبنائي المصابين بالتوحد يلزم كل واحد منهم علاج بمبلغ 314 ريالا أسبوعيا، إضافة إلى قسطرة يومية لابنتي المعوقة زهراء بمبلغ ثمانين ريالا يوميا، وإضافة إلى تلك التكاليف استأجرت منزلي الذي غرق بمبلغ 28 ألف ريال سنويا، ناهيك عن الديون الأخرى التي أتكبدها من أجل توفير العلاج والكشف الطبي لهم، وكل ما أتمناه الآن أن أجد من يلتفت إلينا وينتشلنا من غرق المياه والهموم. لا نريد العودة وفي حكاية أخرى يروي طالع عثمان من سكان حي المنتزهات: حينما هطلت الأمطار كنت حينها خارج المنزل أراجع مكتب الاستقدام لإنهاء إجراءات الحصول على تأشيرة سائق، بسبب حالتي الصحية وإصابتي بانزلاق غضروفي أنهيت معاملتي، وكنت أرى من خلال الغيوم أنها ستمطر وعلي العودة إلى البيت عاجلا، لكن الأمطار لم تمهلنا كثيرا إذ هطلت بكميات كبيرة وحاصرتنا داخل دوار المستقبل الذي يوصلني إلى البيت، حينها توقفت حتى تهدأ الأوضاع ثم ترجلت عن سيارتي ومشيت على قدمي حتى وصلت إلى منزلي الذي هو عبارة عن بيت شعبي وأحمد الله أن زوجتي لم تغرق، وعلى الفور خرجت من البيت قبل وقوع مشكلة أخرى وبعد نداء الدفاع المدني بإخلاء المنازل والذهاب الى الشقق المفروشة، وما زلنا في الشقق ولا نريد العودة. طفح البيارات ولا تختلف قصة عبدالمحسن عادل السيد، من حي بني مالك، عن الآخرين، يقول عبدالمحسن: ما حدث لا يمكن وصفه، كنت مع أسرتي المكونة من تسعة داخل البيت، نسمع صوت البرق والرعد وزخات المطر التي تواصلت لأكثر من ثلاث ساعات، وفجأة تدخل علينا المياه، من كل مكان حتى من خزان المجاري «البيارة»، ما أدى لانبعاث الروائح الكريهة، فحاولت مع أسرتي الخروج من البيت حتى لا نغرق؛ ولكننا لم نتمكن من ذلك إلا بعد أن خف هطول الأمطار، فاتصلت بأحد الأقارب الذي نصحني بالذهاب إلى أقرب شقة مفروشة. ويصف محمد حسن جابر، من سكان حي السبيل، أن أولاده كانوا في حالة نفسية سيئة ويتمنون أن أخرجهم من هذا الكابوس قائلا: وجدت المنزل الذي أسكنه قد تضرر بالكامل ولا يصلح للسكن، مادعاني لمغادرته والذهاب إلى الدفاع المدني الذي وجهني بدوره إلى إحدى الشقق المفروشة. المستودع الخيري أما شرف محمد الأسمري، وعبدربه الزهراني، فقد أشارا في حديثهما أنهما تقدما بطلب مساعدات من المستودع الخيري، فلم يصلهما شيء، وأكدا أنهما لم يتلقيا أية مساعدات سوى الحصول على شقة مفروشة. يقول عبدربه: نحن من سكان الحرس الوطني ولم نسلم من مداهمة السيول لدرجة دخول مياه الأمطار من السقف وفتحات المكيفات، ما دفعنا للصعود أعلى البيت، وما إن توقف المطر حتى أخذنا أسرتينا إلى أحد الأقارب في جنوبجدة. تشليح السيارات بالقرب من تشليح السيارات خلف جسر بريمان، يصف بندر العبادي الأضرار التي لحقت بالتشليح: 60 سيارة ومعدات جميعها ذهبت مع السيل، طالبنا الأمانة بشفط المياه المتجمعة في الأرض القريبة من التشليح، وفي كثير من المواقع الأخرى إلا أنهم لم يستجيبوا لمساعدتنا. فوبيا المطر وبين هذا وذاك بددت كارثة جدة الصورة الجميلة التي يحتفظ بها الصغار في مخيلتهم عن المطر وحولته إلى كابوس يؤرقهم كلما تلبدت السماء بالغيوم، لاسيما أن أحداث الأربعاء المؤلمة كشفت عن الجانب الأسود للسيول، فأصبح الأطفال يشعرون بفوبيا المطر، وهو ما حصل مع الطفل محمد الذي احتجزته الأمطار داخل مدرسته اذ قضى ساعات طويلة بعيدا عن والديه، وحينما سألناه ما إذا كان يحب المطر، أجاب في كل براءة: «لا.. ما أبغى مطر»!.