غدا يوم عرفة، وهو أعظم يوم أشرقت فيه شمس، وبعد غد الجمعة «يوم النحر» يوم الحج الأكبر، قال تعالى {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر}، مناسبتان إسلاميتان عظيمتان يتكئ إليهما المسلم كثيرا؛ تقربا إلى الله، هاتان المناسبتان تأتيان في وقت هناك ثلة من رجال الوطن، يتوسدون أعين الشعب جميعا؛ فمهمتهم أعظم، يدافعون عن تراب الوطن ويذودون عنه، يجعلونه نظيفا كما هو عظيم كرسالته السامية صباح الغد ويوم العيد وثلاثة أيام التشريق كل دقيقة فيها، كما كانت أيامنا السابقة تلهث شفاه الوطن وسكانه بالنصر، وللوطن بالسلام والأمن، وكل عام أيها الرجال وأنتم بخير. • • • وأفضت إلى أزمة شعبية سياسية، هذا نتاج التأهل لمونديال كأس العالم بين الجزائر ومصر، إذ عوملت بوصفها حربا لا نزالا كرويا، رغم وجود عوامل مشتركة تجمعهم، ومصير واحد يربطهم، ومعانٍ سامية حاضرة تزكيهم، كل ذاك ذهب كريح، حتى إنْ حاولنا استحضاره تاريخا. إن ثقافة المجتمعات (الدول) تأتي خلاصة نتاج مؤسسات قائمة تؤثر لدرجة تقديم الأفكار وكحالة خصوصية تنفرد بالمواطن وتضعه كسلعة تناقضية، ففن استغلال المفردات والشعارات الدعائية في اقناع الرأي العام وتلهيبه جعلت هذا المواطن أسير ثورة إعلامية، بل جعلته أكثر عرضة للمبالغة والزيف حتى أضحت ثقافة المجتمعات العربية من إنكار الآخر والاتكاء إلى الماضي واستحضار الجاهلية بكل إشكالياتها البغيضة. • أيعقل أن يقول الجزائري للمصري «ما زلنا حتى اللحظة نسدد قيمة الأسلحة التي شاركت في حرب أكتوبر!» أيعقل أن يقول المصري للجزائري «لولا نحن ما تعلمت اللغة العربية»، أي خلاف هذا يساهم الإعلام في خفض السقف وتضييق الأفق وتوسيع هامش الازدراء. • إن المدقق في مأزقنا سيجد ضالته في عدم الاستقرار والتخبط والتعصب للماضي وضيق الفكرة وجهالة النظرية، التي تؤدي إلى حالة انفعالية يمارس فيها حتى المزاج العام بمفكريه ومبدعيه نفس الغوغائية. • إن الثقافة التي ترفض الآخر بل وتنكره بمجرد فوز أو هزيمة، ويساهم إعلامه في هذا النزق التحريضي، هو موت بطيء. • لم تكن المباراة سببا، ولم تكن الأحداث نتاجا، بل وضع سياسي وظف واحتاج لحدث صاخب ينسي شيئا من الداخل المتأزم، وقيادات جماهيرية تسيّر هذا الصخب لدرجة النسيان داخليا، وهو ما يسمى «صناعة» الأزمات وتصديرها. • إن ما يحدث من توظيف سياسي إعلامي لخلاف جماهيري محدود خرج عن السيطرة، ليخلق وعيا هابطا يكرس الفرقة بين الشعوب، وإلا ما ذنب العامل المصري أن يضرب في الجزائر، والجزائري في مصر يهدد بالقتل والطرد، إننا نصبح أكثر وحشية ضد بعضنا، ليسأل التاريخ والجغرافيا أين ترابطكم وأين المعاني السامية في التلاقي كأمة واحدة؟ • • • • دائما ما أرى أن الحراك حتى إن كان خصاما، ذا فائدة؛ لأنه يحرك واقعا جامدا. في الأهلي انتقد الرئيس أحمد المرزوقي واقع الأهلي (المنهزم) وإخفاقاته إداريا وفنيا، ذاك حق مشروع، كما أن رد المشرف على الكرة أيضا حق مشروع، لكن ما أزعج جماهير الأهلي هو النظرة الفوقية ومحاولة اختزال الأهلي الكيان في شخوص، ولم يكن يعلم جماهير الأهلي أن البطولات والإنجازات ذات نفس قصير وطويل، أما وإنْ كانت بهذه المسميات فاعتقد أن مع رئيس النادي والمشرف على الكرة الحاليين أن نفس الأهلي القصير قد انقطع في الدقيقة 90 في أول مباريات الدوري أمام الرائد. • في لقاء النصر، أعاد الأهلي في شوطه الأول شيئا من عبق الماضي مستوى ونتيجة، لكنه بين الشوطين استذكر حالته الميؤوس منها، فأعاد للملعب شيئا من مرضه المزمن المسكون بروح الإنهزامية، وكأنهم يمارسون الفعل بنقيضه مع مدربهم (الفارو) الذي لم يجد سوى مرض زوجته لكي يهرب من واقع ميؤوس. • إن لقاء النصر يعطي لهذا الفريق شهادة الوفاة، وإن ظلت الدماء تتحرك فيهم، وهو ليس شرطا فالحياة من دون هدف أو أمل أو تطلع (موت)، وهذا الفريق ميت. ••• وأخيرا.. هناك أناس تتدخل دون وعي وتصرخ مع الصارخين.