ما سبق المباراة الفاصلة بين الشقيقتين مصر والجزائر دلل على أننا نحن العرب نعود في وعينا للخلف أكثر ممّا نتقدم للأمام في كل المستويات. الأصل أن الإعلام للبناء لا للهو.. لبناء العقول، ولبناء الإحساس الوطني، ولبناء التلاحم بين الشعوب العربية، ولبناء التواصل الذي يخترق الحدود. والأصل أن الرياضة للترفيه لا للتفريق، وللتقارب لا للتباعد، ولبناء الجسور لا لتدميرها. والأصل أن هناك ثوابت بين الشعوب العربية لا يُسمح بتجاوزها، وهي وحدة الدّين، ووحدة الوطن، ووحدة الدم. والأصل أن التنافس يسبقه شرف احترام كل طرف للآخر، وأن يتم بعده التصافح لا التصافع، والتسامح لا التذابح. ولكن للأسف.. إن ما سبق المباراة الفاصلة بين الشقيقين مصر والجزائر دلل على أننا نحن العرب نعود في وعينا للخلف أكثر ممّا نتقدم للأمام في كل المستويات، فبدلاً من أن يظهر الإداريون والمسؤولون الرياضيون على الشاشات يدعون للروح الرياضية، ويعلنون أن انتصار الجزائر نصر للعرب، وانتصار مصر نصر للعرب، ظهروا يشحنون الشباب الذين لا تجربة لهم، ينطلقون في الشوارع في هتافات تدل على تخلّف العربي القيادي، وغير القيادي، وهذه الجماهير كما حرّكتها كلمة للشر تعيدها للرشاد كلمة، وكلمة الخير تحقن الدماء، كما أن كلمة الشحن تسيل الدماء، وتقطع أواصر القربى. أمّا الإعلاميون العرب في الفضائيات فقد انحدروا إلى الدرك الأسفل، حينما توجّهوا لشحن كل طرف ضد الآخر، ودفعوا العوام الذين لديهم شحنة وطنية، ولكنهم لا يعرفون أين تفرَّغ هذه الشحنة، ولم أشاهد قناة واحدة ذكّرت بالقربى العربية، أو ذكّرت أن الفوز في الكرة ظل زائل، وليس إلاّ شيئًا مؤقتًا، ولكن جراح النفوس لن تندمل، ولو بعد سنين.. وبخاصة إذا سالت فيها دماء. وألاَّ فائدة منها إلاَّ لعدو العرب. لقد أبدع الإعلام الهادم في هدم البناء العربي، في ظرف من أصعب الظروف التي تمر بها الأمة، ولم يذكّر مصر بأن النصر هو نسف خط (بارليف)، ولم يذكّر الجزائر أن المنتصرين هم المليون ونصف المليون، الذين رووا أرض الجزائر بدمائهم الزكيّة، وهم يرددون قول ابن باديس: شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب لقد سقط في معركة الكرة هذه قتلى، وسالت دماء جرحى، وكأنها معركة ميدان، والأكثر من ذلك أنها تركت دماء الوحدة العربية تسيل، وتطلب من يوقف سيلانها، وتلقى باللائمة على قادة الفكر الصامتين، فقطرة دم واحدة أغلى من كأس العالم، حتى لو كانت المباراة على النهائي. ستبقى مصر عظيمة بتاريخها الحربي والعلمي، وستبقى الجزائر عظيمة بجهادها الذي لم يماثلها فيه بلد في العالم، وهذا هو الكأس الأعظم، وستبقى وحدة العرب شامخة بالرغم من الأحداث المؤلمة التي صنعها الإعلام، ومحرضو السوء، وسيبقى أحرار العرب يطلبون علاجًا وحدًّا للتعصب الرياضي، والشحن الإعلامي، وصمت النخب الثقافية، وعاش العرب أمة واحدة من الخليج إلى المحيط، لا تفرّقهم مثل هذه الأحداث المصطنعة.