تقول: مرتين هاتفني، ثم التقاني في مكتبة عامة لتوقيع اسمه على كتاب زعم أنه من أجمل ما قرأ. وفعلا، كانت ابتسامته جميلة حد إغراء بلقاء آخر. ما كنت أعلم أن «كاميرته» كانت تترصد لجلوسي على طاولة مطعمه، وما كنت أعلم أن مقطع الحضور ذاك، كان ضمن رسالة «وسائط» ستكون إن لم أكن كما يريد ضمن الملفات المستقبلة في صندوق وارد والدي، وثلاثة من إخوتي الشيوخ البواسل، حصل على أرقامهم بفعل التقنية الخبيثة أيضا هكذا تقول. الحكاية ليست بحاجة لسيناريو من نوع جديد يكمل بقية الفلم: وصول الأسد المنقذ، تخليص الفتاة الضحية، في مجتمع يسعى حثيثا لتقسيمه على النحو التالي: الأسود المنقذون، الذئاب المفترسة، والنعاج الضحايا، لتغدو الصورة الأخيرة: غابة سوداء.. بجرائد ومذياع وطرق سريعة وأسواق وشبكة عنكبوتية، تطوق كل شيء. جريدة محلية محترمة جدا، تثبت بتحقيقاتها كون الحقيقة.. وهما، وأن القضية لا تتعدى فبركة لتشويه صورة البلد والمجتمع، وأن 20 ألف ضحية تحت سوط الابتزاز مجرد أرقام في مهب الريح للعبث بسمعة البلاد والعباد، و«كأننا ناقصين»، الجدير بالذكر: أن هذا نوع من الابتزاز أيضا.. لو كانوا يعلمون. *** الجاثمون على مراصد شبكاتنا، المترصدون على اتصالاتنا، السائرون بنفس دروبنا، يتتبعون عوراتنا، ويهتكون أستارنا، ويتاجرون بأعراضنا. يتكلمون بنفس لغتنا، ويساومون بنفس عملتنا، ومع ذلك، نكتفي من المعركة بالجعجعة 20 ألف ضحية خلال ستة أشهر كما تقول آخر الإحصاءات، والمسجل منها في منطقة واحدة خلال عامين ستون حالة فقط. كل ما عليك أن تحصله: قلب أسود، وضمير مأزوم، وفراغ وقت، وضياع أمر، وحيرة عمر، وتغدو التقنية التي صنعها «الآخر» خيرا ونفعا، على «الذات» شرا وضررا، وقطع الطريق، وإتيان المنكر. وزير العمل، يتحمل المسؤولية، ومسؤول شرطة المدينة، وإمام مسجد الحي، والأب القابع في متاهات دنياه، والأم المدمنة للثرثرة على حساب التربية، والأستاذ المتاجر بالعقار، والشيخ الناصح في ما لا يعقل، والفتاة المغناج، والفتى السادر في غي هواه. كل أولئك كان مسؤولا، عن عاطل يجد له في الآخرين عملا، وفارغ يحصل في غيره شغلا، وعن كائن ينجز على حساب إفساد صلاح الآخر، كل ذلك، رهين قيمة «الستر»، وفضيلة الحياء، المجمع عليها حتى في مجتمعات اللادين. إنه لبائس أن تغدو فضيلة كالستر على عورات الآخرين، بورصة شراء لا تعرف الخسران المادي في سوق المجتمع، كل ما عليك أن تجد «عورة»، وأن تقيم مزادا، وترمي سعرا، ولن تخشى نكوص الأسهم، ولا إغلاق السوق. *** يقول: كانت آخر مرة التقيتها في سوق الذهب جنوبالمدينة، منحتها عقدا ب860 ريالا بمناسبة تخرجها، وبطاقتي اتصال مسبقة الدفع، وضحكة مكتومة بكونها لن تخبر زوجتي عن غرامياتي وإياها، ومزحة طويلة. الذي لم أصدقه، كون العشيقة السابقة، الغريمة اللاحقة، نفذت بالفعل تهديدها، عارضة رقم حسابها شاغرا أمام مبلغ ملزم التحويل من حسابي لحسابها في غضون 24 ساعة، ولن يكون مثيرا أن يعرف القارئ كون الرقم من أربع خانات. وهذه الصورة برغم اجتزائها، مجرد دليل على كون اشتراك الجنسين في خانة الضحايا لمثل هذه العملية، في مجموع قيم لم يصبح الذكر (الشر) المفترس كما تقول الأسطورة من يتحكم بإخراج الصورة، وتوزيع منتجاته في السوق، وإغلاق الشباك. *** تلك صورتان اثنتان، لغابية تنتشر كالهشيم هنا، يفرح «الحكواتيون» وهو يجندلون أبطالها، ويرفعون نعوش ضحاياها، غير عالمين أنا ندق بكل قصة «إنقاذ» جديدة، مسامير نعش جديد لفضيلة قديمة تهترئ كالعمر. الجدير بالذكر، والمثير أيضا، أنه لولا فضيلة هذا المجتمع، ولولا رونق الحشمة، وبهاء الحياء الذي يجلله، لما وجد المفسدون إليه سبيلا من هذا الباب، إذ على قدر ما يكون حياؤك وخجلك، على حجم ما يكون مشروع إهانتك و«تفشيلك». المعربدون .. لا شيء يخافون أن يظهر أصلا. والخاسرون من قبل دخول المعركة.. لا تهمهم النتيجة. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 252 مسافة ثم الرسالة