تتسرب من ثقوب خيام النازحين، حكايات تعكس الصورة الأخرى للحدث، وجوه وقلوب اجتمعت من القرى الحدودية، ربطها المصير المشترك والرحيل من البارود والنار. ما يزيد على 450 أسرة محملة بالأطفال والنساء وكبار السن، تجلس بين صخب المعركة وهدوء المخيم، لا أفكار تشغلها، أكثر من فكرة العودة إلى البيوت ورائحة الطين والبن والمطر. الدعاء والابتهال إلى الله بزوال الغمة، يبلل الشفاه مع كل صلاة وحتى في هدوء الليل، مسنات يخرجن ناظرات إلى السماء تهطل دموعهن شوقا وخوفا على الدار والأرض والأبناء، يتأملن المكان الذي أصبحوا فيه دون مقدمات، ضحية لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. يخرج من أسراب النازحين حمد حارثي (30 عاما) ويتحدث بمرارة عن المحنة التي يعيشونها: «كنا نعيش هدوءا لا مثيل له، نرعى الأغنام ونأكل من الأموال التي نجنيها من بيعها، لا شيء يشغلنا ونحن نعيش في هذا الجزء الهادئ من بلادنا». يتحدث حمد بحب لأرضه ووطنه: «يستغرب البعض كلامي لأنني لم أحصل على الهوية بعد، على الرغم من كون إخواني سعوديين، لا شيء يشعرني بأنني لست سعوديا، سوى عدم قدرتي وأطفالي على التسجيل في الجمعيات الخيرية أو حتى تسجيل خط هاتفي باسمي». يسكن حمد قرى الحرث التي تحيط بالشريط الحدودي، حيث تعتبر هذه القرى ملتقى تجارة اليمن مع منطقة جازان، فيما كانت تشهد أسبوعيا تبادلا تجاريا فرديا لسلع غريبة، من أبرزها سوق الخوبة. التجمعات اليومية تشهد لقاءات لنسوة بعضهن لم يلتقين منذ زمن، على رغم سكنهن في منطقة واحدة، تتكلم أم عبد الرحمن وهي أم لطفلين: «نسكن في منازل متباعدة بجوار حظائرنا، إلا أننا اجتمعنا هنا بحكم المخيم». تذكر أم عبد الرحمن المفارقة التي وجدت أنها من إيجابيات المخيم: «قبل أن ننتقل إلى هنا كان بيننا بعض النساء على خصومة منذ فترة، ولكن بانتقالنا تصالحن واقتربت القلوب مثل الخيام، وحقيقة نبكي عندما نتذكر الأيام الجميلة بعيدا عن الحرب والخوف، وما يقلقنا هو ضياع أطفالنا، إلا أننا سريعا ما نفرح عندما نجدهم». الأطفال في المخيم لهم عالمهم الخاص، لا يتضجرون أو يهتمون بالوضع، ويكتفون بالسؤال الدائم للآباء والأمهات عن المكان الذي هم فيه، ولماذا أتوا إليه؟.