منذ ما يقرب التسعة عقود متواصلة لم يعرف للراحة فيها سبيلا، شرق فيها وغرب، حتى ملأ الدنيا وشغل الناس! وفي غمرة الأحداث ومع طول الطريق ومشقة السفر، وبعد أن خاطر بنفسه في مفازات بعيدة ومناطق مجهولة؛ تنفس الصعداء، وترجل الفارس، وألقى سلاحه، وهوى النجم الكبير، ومات مصطفى محمود! ولم يكن مصطفى محمود فردا واحدا، بل كان كتيبة مسلحة بالعلم والفكر والأدب ... شق طريقا وعرا وسط الصحراء وبين الصخور، بالتنظير والتطبيق معا، غير مبالٍ بما وراءه من مخلفات الماضي، ولا مكترثا بالقيل والقال، ولا منتظرا الثناء أو الشكر من أحد، كما لم ينتظر ثمرة النجاح، إنما كان جل تفكيره وغاية رسالته أن يعمل ويعمل، محتسبا جهاده عند ربه! لقد كان مشوار الدكتور مصطفى محمود مع الناس والحياة .. مشوارا طويلا جدا .. مملوءا بالهزل والجد، والفوضى والنظام، والضحك والبكاء، واختلط بالإيمان والإلحاد، إنها رحلة بعيدة ومرهقة ومكلفة جدا، لأنها رحلة مع القلم والكتابة، ومع البحث والاختبار والتجريب والمعامل، ومع الناس والأيام، والأفراح والأتراح .. وغير ذلك من تكاليف الدهر وصروف الزمن..! وهكذا تكون رحلات الكتاب والأدباء والمفكرين والعلماء .. فقد أكسبته الحياة من تجاربها، وطبع الدهر على آرائه وأفكاره بصماته، حتى أصبحت كلماته واجتهاداته حكما ومأثورات، ونصائح ثمينة ووصايا غالية. ذات مرة؛ وصف طفولته اللاهية، قالا: «كل ما أتذكره لا يعدو سوى وقائع قليلة جدا مؤداها أنني كنت مشاكسا إلى ما لا نهاية .. ومحيرا الآخرين على طول الخط، ورافضا كل شيء، وكنت كثير التساؤل .. وكان جميع المحيطين بي أو الذين يشغلهم أمري حريصين كل الحرص على خطب ودي، وكسب رضاي، فلا قهر ولا قمع ولا عنف، وقد رسبت ثلاث سنوات في السنة الأولى الابتدائية، فتركني الأهل على حالي دون تغليظ أو تعنيف. وكنت كثيرا ما أرقد مريضا وأنا طفل .. لذلك حرمت من اللعب العنيف والانطلاق الذي يتمتع به الأطفال .. وكانت طفولتي كلها أحلاما وخيالا وانطواء». أما عن مرحلة الشباب والتقلبات التي انتابتها فيما بعد فيقول: «في الأصل أنني نشأت نشأة دينية، فأنا تربية بيت من بيوت العلم والمشيخة والتصوف، ووالدي الشيخ محمود كان من الصالحين وغالبية أصحابه ومريديه كانوا كذلك .. لكنني لم أكن أبدا شخصية تقليدية أو نمطية، كنت أحب أن تكون لي شخصية مستقلة ومتميزة في كل شيء .. لذلك كنت نهما في حب المعرفة والاطلاع المتواصل في كل الكتب وسائر الصحف والمجلات .. كنت أبحث عن المجهول، وكنت أحلم بأن أكون مخترعا عظيما أو مكتشفا أو رحالا أو عالما مشهورا، وكانت النماذج التي أحلم بها هي كريستوفر وأديسون وماركوني وباستير». أما في مرحلة الجامعة، ومرافقته للطلاب الشيوعيين، واعتناقه للفكر الماركسي، فيقول عنها: «كانت مراحل عصيبة جدا في حياتي الشخصية .. حيث انتابتني موجة عارمة من التفكير والتفكير المضاد .. وكأنني أطرح السؤال وأجيب عليه بنفسي، ثم أرفض هذه الإجابة التي كنت أقنعت بها نفسي من قبل كما أقنعت بها الآخرين أيضا! وكان العالم العربي والإسلامي في هذه الفترة مسرحا كبيرا وسوقا رائجة للمذاهب والنظريات والفلسفات الشاذة والإلحادية كالماركسية والرأسمالية، لذا كان الشباب العربي كله في مرحلة عدم توازن، أو هي أشبه ما نحن عليه الآن ! وقد كنا طلبة كلية الطب في ذلك الوقت منقسمين إلى أحزاب وجماعات كثيرة، ماركسيين، قوميين، وفديين، اشتراكيين، إخوان مسلمين ... إلخ. لكن معظم طلبة الطب كانوا شيوعيين .. وكنا كشباب متأثرين جدا بسيل الأفكار والآراء التي تغزونا من كل حدب وصوب .. فلم أستطع أن أفرق بين الحق والباطل، أو الصواب والخطأ .. فكانت هذه أسوأ مرحلة في حياتي الأولى! وعن سبب التحاقه بكلية الطب، يقول: «مرض الوالد بالشلل لمدة سبع سنوات ووفاته، جعلني التحق بكلية الطب، لمعرفة الأسرار»! يواصل حديثه قائلا: «وفي السنة الثالثة طب، مرضت مرضا شديدا، ومكثت بالمستشفى لمدة سنتين! عكفت طول هذه المدة على القراءة والتفكير في موضوعات أدبية.. وفي هاتين السنتين تكونت في داخلي شخصية المفكر المتأمل، وولد بداخلي الكاتب الأديب .. وحينما عدت إلى دراسة الطب بعد شفائي، كنت قد أصبحت شخصا آخر؛ أصبحت الفنان الذي يفكر ويحلم ويقرأ ويطالع بانتظام أمهات كتب الأدب والمسرح والرواية. وبسبب هذه الهواية الجديدة التي ما لبثت أن تحولت إلى احتراف، بدأت أكتب في مجلتي التحرير، وروزا اليوسف. وأستطيع القول بأن المرض والمعاناة والعزلة الطويلة في غرف المستشفيات قد فجرت مواهبي، والألم كان الأب الحقيقي والباعث لكل هذه الإيجابيات والمكاسب التي كسبتها كإنسان وفنان وأديب ومفكر.. كما أن الألم أيضا هو الذي صقل أخلاقي وجلى معدن نفسي وفجر الحس الديني في داخلي وكان أداة التنوير والصحوة والتذكير بالله». وبعد تخرجه عمل طبيبا في المستشفيات الحكومية، ومع أنها فترة قصيرة جدا، إلا أنها كانت ذات فائدة كبيرة جدا على مسيرة مصطفى محمود، أو كما يقول: «فترة عملي بالطب كان لها آثار خصبة ظهرت في كتاباتي مثل: (عنبر 7، شلة الأنس، أكل عيش) كما كان لها أثر في المدخل العلمي والتشريحي إلى المشاكل الاجتماعية وإلى النفس الإنسانية، وإلى الشخصيات التي أكتب عنها». إعادة نظر منهجية أما عن مرحلة الشك والإلحاد .. والدوافع التي كانت وراء ذلك، فيقول: «رحلتي من الشك إلى الإيمان لم تكن بسبب إنكار أو عناد أو كفر، إنما كانت إعادة نظر منهجية حاولت أن أبدأ فيها من جديد بدون مسلمات موروثة، فلم أفقد صلتي بالله طوال هذه الرحلة، وإن كنت قد بدأت قطار الفكر وقطار الدين من أوله عند الصفحة الأولى، من مبدأ الفطرة وما تقوله الفطرة بدون موروثات. وانتهيت من هذه الرحلة إلى إيمان أشد وعقيدة أرسخ، انعكست آثارها في المئة كتاب التي ألفتها». لكن، عندما تحول «مصطفى محمود» وأدار ظهره للماركسية، لم يكن تحوله يمر بسهولة أو في صمت، بل كان حدثا مهما وزلزالا مدويا في الأوساط الثقافية، فقد واجه الشيوعيين في مصر وتصدى لأفكارهم بقوة، أو على حد تعبيره: «عندما هداني الله، أردت أن أفضح أكاذيب الشيوعيين، فلم أستطع نشر كتابي «الماركسية والإسلام» لأن أجهزة الرقابة والقمع كانت تتربص في كل مكان! لأن كل شيء كان يكذب.. كانت الكتب تكذب وكانت الصحف تكذب وكانت التصريحات تكذب.. وكانت الستينيات هي عصر الكذب الشامل! ثم بدأت الحقيقة تخرج إلى الناس متسللة في البداية على استحياء ثم بدأت تجهر وتهتف، ليس في مصر وحدها، ولكن في العالم كله.. ولم يستطع الباطل أن يستمر.. ورأينا الشيوعية تختفي من العالم وتتحطم راياتها في بلد بعد الآخر. والحمد لله أنني قدمت خمسة كتب في نقد الفكر الماركسي وهي (أكذوبة اليسار الإسلامي، الماركسية والإسلام، لماذا رفضت الماركسية، المسيخ الدجال، سقوط اليسار) وكانت عندي قناعة ثابتة بأن الماركسية كانت أحد معاول تدمير الحضارة الإنسانية، وأسوأ من ذلك أنها كانت الأداة التي خلفت الإنسان الحاقد المخرب والرافض لكل شيء. صالون العقاد وقد كان «صالون العقاد» له تأثير كبير في مسيرة مصطفى محمود الأدبية، عبر عنها بقوله: «التقيت بالعقاد في بداية هوايتي الأدبية وشجعني بقوة، وكان يتلو قصصي على ضيوفه في ندوة الجمعة، وساعدني على نشرها في مجلة الرسالة سنة 1947، كذلك التقيت بكامل الشناوي وشجعني على نشر مقالاتي وقصصي في مجلة آخر ساعة سنة 1948م.. واستطعت خلال رحلتي أن أنشر سبع مسرحيات، كلها مثلت على المسرح وهي (الزلزال، الإنسان والظل، الإسكندر الأكبر، الزعيم، أنشودة الدم، شلة الأنس، الشيطان يسكن في بيتنا) كما قدمت ثلاث روايات طويلة والباقي دراسات وقصص قصيرة. عالم الفن كذلك، كانت ل«مصطفى محمود» علاقة واسعة بالوسط الفني في فترة الستينيات، يقول عنها «ربطتني علاقة خاصة جدا بعمالقة الفن، وعلى رأسهم الفنان محمد عبد الوهاب وقد بدأت علاقتي به عندما كتبت عدة مقالات عن الأصوات الغنائية وقتها في مجلة روزا اليوسف، ووقعت هذه المقالات في يد عبد الوهاب وأعجب بها واتصل بي وطلب أن يقابلني وأبدى إعجابه الشديد بأسلوبي ومن يومها توطدت علاقتنا وأصبحنا أصدقاء. فكان عندما يأتي إليه أحد الصحافيين لإجراء حديث صحافي وكان من عادته طلب الأسئلة ثم يتصل بي ويخبرني بها، وكثيرا ما شجعني على استغلال موهبتي الموسيقية والاستمرار في هذا المجال، لكني رفضت، لأن أهلي لم يكونوا يحبون أهل الفن والطرب! كذلك، من الذين ربطتني بهم صداقة قوية وكنا نلتقي أسبوعيا وأعجبت كثيرا بشخصيتها السيدة «أم كلثوم» وكنت أساعدها على اختيار كلمات وألحان أغانيها فأنا كنت أجيد الشعر والزجل أيضا، أما علاقتي بعبد الحليم حافظ فهي من طراز خاص لأنه فنان صنعته المعاناة والمرض وصقل موهبته وهو الخيط المشترك بيني وبينه، لذلك كنت قريبا من عبد الحليم حافظ وكنا نلتقي باستمرار ونسهر معا، إلى جانب أنه ربطتني علاقات قوية بالعديد من الموسيقيين وعلى رأسهم بليغ حمدي وكمال الطويل ورياض السنباطي وفريد الأطرش. الغزو الأدبي ومع كثرة المعارك الفكرية والسياسية الضارية التي عاش «مصطفى محمود» في أتونها، إلا أنه لم يكن بعيدا عن ميادين الأدب والفن.. بل كان مشاركا بآرائه النقدية الجريئة، فكتب قبل سنوات يقول: «أنا أرفض استيراد الأفكار والمضامين بأي حال من الأحوال .. كالذي حدث في الشعر مثلا، والمذاهب الجديدة في النظم بلا نظم، والإغراب لمجرد الإغراب، والأبيات التي بلا نحو وبلا إعراب، واللغة المفككة والألفاظ المخنثة التي فقدت تواصلها ووظائفها. كما أرفض هذا الغزو الفاجر في الرواية كالذي فاجأنا به سلمان رشدي ومن بعده حيدر حيدر وغيرهما من الذين تصوروا أنهم أتوا بإبداع جديد في عالم الرواية. وفي الحقيقة ما أتوا إلا بأحقادهم الشيطانية وما عبروا إلا عن أمراضهم النفسية». فضيحة السينما كما أعلن حربا ضروسا على صناعة السينما في هذا العصر، وكشف عن زيف رسالتها العصرية، خاصة بعد الإخفاق الذي بلغته والفشل الذي وصلت إليه، فأكد أن «السينما في بلادنا لم تعد فنا بل فضيحة، بل وصمة عار على كل من يعمل فيها ممثلا أو منتجا أو مخرجا.. لقد أصبحت شاشة كبيرة تروج فيها الغواية والعهر والفحش، وتظهر فيها شعوبنا ونساؤنا وبيوتنا بما لا يليق، إنهم لا يرون في شبابنا ونسائنا إلا الغش والاختلاس والسرقة والتسول والمخدرات.. والحق أن هؤلاء المؤلفين ما رأوا إلا أنفسهم وطبائعهم، فبلادنا بريئة مما قالوا وصنعوا وصوروا وأخرجوا.. ولا أدري كيف لا يندى جبين هؤلاء الممثلين الكبار خجلا حينما يرون أنفسهم على الشاشة سبة لبلادهم، وأي كسب مادي يعوض ما جرحوا به أهليهم وإخوتهم؟! إننا إذن لا نلوم إسرائيل حينما تضع قمرها الصناعي في الفضاء لتبث إلينا ما نريده من أفلام عارية ودعايات كاذبة تضعها في عبوات من الفن الماكر لتذب شبابنا إلى الغواية! ولاشك أن أعداءنا يهللون لهذه الموجة الهابطة من الأفلام التي نجرح بها أنفسنا ونفضح نساءنا ونتهم شرفاءنا، فها نحن نقتل أنفسنا ونوفر عليهم قتلنا.. وقد وفرنا عليهم المعركة وهزمنا أنفسنا بأنفسنا»! تخريب التراث و أبدى أسفه الشديد، لانحدار الفن والموسيقى والغناء، وتدني الأخلاق والأذواق وتصدى بشدة لتلك الموجة التغريبية، وأشار إلى أن «هناك قوى خفية تحكم اتجاهات الفن وتشجيع التيارات التي تريدها ثم تساندها في المزادات وتفرضها على الجمهور الساذج، وهدفها من وراء ذلك معروف هو هدم القيم الجمالية وتخريب التراث وفرض القبح والفوضى وعدم الانتماء، بدعوى الحداثة في المسرح والشعر والفكر والفلسفة والسياسة والاقتصاد.. وقد عشنا ورأينا ألوانا من الموسيقى الرفيعة تربي الحس الجمالي بالفعل وترفع الذوق، فقد اختفت سيمفونيات بيتهوفن وشوبان وفاجنر، وقصائد الشوقيات، وأصوات أمثال عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم وفيروز، تراجع كل هذا لتحتل المسرح راقصات وراقصون يهزون الصدور والخصور، وظهر الديسكو الغربي الذي حول الغناء إلى زار وصراخ وضجيج وعجيج.. إنها مؤامرة لإفساد هذه الشعوب الضعيفة المغلوبة على أمرها، وترويج القمار والدعارة والخلاعة والإباحية والعري والجنس المنحرف بالصوت والصورة وبالألوان بهدف تحويل الجماعة الإنسانية إلى قطيع من البهم لا شاغل لهم إلا إشباع الغرائز.. وكل هذا يجري باسم الفن الحديث»! شخصية الفنان المتمردة كما أن حياته المهنية وحياته الفكرية لم تشهدا استقرارا، كذلك حياته الاجتماعية كانت صورة عاكسة لذلك.. فكيف تعامل الدكتور مصطفى محمود مع «المرأة» في حياته؟ وما هي نظرته تجاهها؟ أجاب في صراحة شديدة، قائلا: «لم تنقطع علاقتي بالمرأة صداقة وحوارا وحبا وعشقا منذ نضجت ومنذ بدأت أخوض الحياة في سن الثلاثين، وكان ضعفي أمام الجمال دائما سببا لعثراتي ولا أعتقد أن الرجل يمكن أن يكون رجلا سويا بدون امرأة يحبها ويتزوجها وينجب منها ويشعر بالأبوة وإنشاء الأسرة. صحيح أنا لم أوفق في زواجي الأول سنة 1961، ذلك الزواج الذي أنجبت فيه ابني «أمل وأدهم» فانتهى بالطلاق سنة 1973، كذلك لم أوفق في زواجي الثاني سنة 1983 الذي انتهى بالطلاق في سنة 1987، ربما مرد ذلك لأن شخصية الفنان والكاتب بشروده واستغراقه في العمل وانقطاعه إلى الوحدة سببا في فشل هذه الزيجات، ولم يكن الطرف الآخر هو الملوم وحده، إنما كلانا كان ملوما.. وقررت بعد الفشل الثاني أن أعطي نفسي بالكلية لرسالتي وهدفي كداعية إسلامي ومؤلف وكاتب وأديب ومفكر.. واقتنعت تماما بأن هذا قدري، فرضيت به، ومنذ ذاك الحين وأنا أعيش في جناح صغير في مسجدي في المركز الإسلامي بحي المهندسين.. أغرق وحدتي في العمل المتواصل والعمل الناجح الموفق في نظري، وهو علاج لكل الأمراض البدنية والعلل النفسية، والقدرة على العمل والإنتاج هي أكبر نعمة يمنحها الله لعبده». أمضى الأسلحة وبالرغم مما أصاب الوحدة العربية في السنوات الأخيرة من ضعف وترهل؛ إلا أن مصطفى محمود كان متفائلا إلى أبعد الحدود، باعتبار أن هذه أعراض طارئة، وأن الرهان الأكبر لا يزال قائما على وحدة الأمة، يقول: «لن تظل الدول العربية منقسمة على نفسها إلى الأبد، واجتماع كلمة العرب وحدها ستكون سلاحا أمضى من جميع الأسلحة، وهذه ليست نبوءة.. بل حقيقة، لأن استمرار عدوان الأقلية الإسرائيلية وسط بحر من الأغلبية العربية استحالة تاريخية. وستظل إسرائيل جسما غريبا مصيره الحتمي أن ينكمش ويحاصر ويتحوصل ويذوي وينتهي أمره.. إن العرب رغم ضعفهم وتفرقهم مازالوا هم القوة الحاسمة في المنطقة.. وأي تصور غير ذلك أحلام وأوهام .. والزمان أمامنا طويل»! اخترت «لا إله إلا الله» منذ عام تقريبا، زرت الدكتور مصطفى محمود وسألته سؤالا واحدا فقط، قلت له: كيف تنظر إلى مسيرتك الحياتية الطويلة والشاقة والمثيرة التي بلغت 88 عاما بعدما أنجزت خلالها من أعمال خالدة؟ فقال بصوت حزين: الحمد لله، ما اختاره الله لي أفضل مما كنت سأختاره لنفسي، فأنا مازلت في بداية الطريق، وكل ما كتبت هو في نظري لا أكثر من مسودة ناقصة، وبين ما أنجزت وبين ما أحلم به بون شاسع، ومازلت أتتلمذ كل يوم على يد كل إنسان يقدم لي النصح والمشورة.. فأراني قد اخترت بعد هذه الرحلة (لا إله إلا الله) رأيا وعقيدة، والإسلام دينا، والعلم والإيمان منهجا.