حين بدأت الزوجة بالحديث أطرق الزوج بطريقة أعطتني انطباعا بأنه ينصت لما تقول، وكانت مقلتاها مصوبتين إليه بطريقة واضحة، ولكن لم تمض إلا ثوان قليلة حتى أخرج جواله من جيبه وبدأ يعبث به، واستمرت في التحدث وهي تحدق به لدقيقة تقريبا ثم التفتت إلي قائلة هل رأيت ما فعل؟ هذا بالضبط ما يفعله في كل مرة أبدأ فيها بالكلام، عندها رفع رأسه ونظر إليها وقال: أكملي فأنا أسمعك، وإن كنت تريدين أن أعيد عليك ما قلته فسأفعل: وفعلا أعاد ما قالت، فأطرقت بدورها وحركت رأسها يمنة ويسرة لتجعل من تلك الحركة جوابا كافيا شافيا يدل على عدم ارتياحها لسلوكه، نظر هو بدوره إلي، وقال: هذا ما يحدث بيننا وغالبا لا نستطيع التواصل لأكثر من دقائق فتسكت وتتركني وتذهب إلى غرفتها كي تبكي وتنعتني بعدم احترامي لها، قلت: هي على حق، قال: وكيف ذلك وأنا قد أعدت كل ما قالته، أليس هذا دليلا واضحا على متابعتي لما تقول؟ ردت بدورها قائلة: أنا لا يهمني أن تعيد ما أقوله، ولكن يهمني أن أشعر أنني مقدرة عندك، ثم التفتت إلي قائلة: في كل مرة أتحدث معه بها، إما أن يخرج جواله ليعبث به، أو يمسك ريموت التلفزيون ليقلب في قنواته المختلفة، أو يمسك الجريدة ليقلب صفحاتها أو يتصفحها، وكل ذلك يعطيني مؤشرا على قلة احترامه لي، التفت بدوره إلي ليعبر عن اعتراضه على كل ما قالته، واتهمها بأنها تريده أن يكون عبدا لها، وتريد أن تتحكم به، وهو لن يسمح لأحد بأن يسيره كما يريد، سكت لبرهة لعل كلا منهما يراجع نفسه ويراجع ما قال، وقلت أعتقد أن المسألة تتعلق بمصطلحين لابد من التمييز بينهما، فأنت تستمع لها بلا شك، وهي لم تنكر أنك دائما تستمع لها، ولكن ما تطلبه منك هو أن تنصت لها، فالخالق تباركت أسماؤه نبهنا إلى مستويين من العلاقة مع القرآن حين يقرأ فقال: «وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون»، وقد ربط الرحمة بوصولنا إلى مستوى الإنصات، ذلك أن الإنصات يحمل في ثناياه احترام المنصت للمتحدث، ونحن بأمس الحاجة إلى إشباع الحاجة إلى التقدير، وانشغال المستمع عن المتحدث بالجوال أو الصحيفة أو الريموت أو أي شيء آخر مهما كانت درجة أهميته يعطي دليلا للمتحدث بعدم أهميته، أو هو رسالة من المستمع للمتحدث فحواها أنه غير مهم وغير مقدر، والأولى والأجدر بي أن أعتذر من زوجتي أو ابني أو ابنتي أو أي متحدث إلي حين لا أستطيع الإنصات له من أن أكون مستمعا في الوقت الذي يريد مني أن أكون منصتا، وقد يقول قائل وهل يمكن أن نكون مستمعين في بعض الأحيان ويقبل مثل هذا الاستماع؟ أقول نعم، فحين يكون الزوجان مشغولين بترتيب مكان ما، أو مشغولين بتحضير وجبة طعام أو تجهيز حقائبهما، فسيكون كلا منهما مستمعا للآخر ولن يجد في ذلك غضاضة، أما حين تكون ظروف أحدهما سانحة أن يتحدث والآخر مشغول، فإما أن يترك ما يشغله وينصت لمتحدثه، أو يعتذر منه ويعده بوقت آخر يكون فيه منصتا، وهذه القاعدة تتطلب أن يطبقها الأزواج مع بعضهما، ومع أبنائهما، فمن غير المقبول أن نهمل حديث طفل من أطفالنا ونشعره بأننا غير مقدرين له، لأن الحاجة للتقدير حاجة نفسية مهمة جدا، وعليها تنبني ثقة أبنائنا وزوجاتنا بأنفسهم، هذه الثقة التي تمثل أساس بناء الشخصية، والأزواج والزوجات الذين لا ينصتون لبعضهم ولأبنائهم لا يحق لهم أن يلوموا الآخرين حين لا ينصتون لهم، والأبناء والبنات يتعلمون آليات الإنصات منا نحن الآباء والأمهات، ومن يراني من أبنائي وأنا أنصت له ولوالدته سيتعلم كيف ينصت لأخيه أو أخته أو زميله أو معلمه أو زوجته وأبنائه مستقبلا. للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة او عبر الفاكس رقم: 6327389 الهاتف: 2841552 الإيميل: [email protected]