لا أحد يتعاطف مع المدخنين، هكذا هو الحال كلما ارتفعت أسعار السجائر، لأن الناس يعتقدون أن ارتفاع أسعار السجائر قد يؤدي إلى الحد من إقبال المدخنين عليها، أو لأن المدخن مستهلك منفي، حيث يردد الجميع من حوله عبارات: (تستاهل.. من قال لك تدخن؟) فيضطر للانكماش ويشارك في حفلة الترحيب بزيادة أسعار السجائر!. لو كانت الملايين التي سوف تجنيها الشركات من زيادة السعر ستذهب لصالح مستشفيات تعالج أمراض التدخين أو لصالح إنشاء عيادات لمكافحة التدخين لكان الأمر هينا، ولكن هذه الملايين (المتلتلة) سوف تذهب إلى جيوب شركات التبغ، التي سيزداد حجم اهتمامها بهذا السوق الذي يرحب بأي زيادة في الأسعار نكاية بالمستهلكين المنبوذين، إنه سوق يدعم المصنع ويعاقب المستهلك المسكين!. كلما ارتفعت أسعار السجائر تصدرت المشهد صورة للمدخن باعتباره إنسانا مغفلا يستحق كل ما يحدث له، وهي الصورة التي تساهم في مرور زيادة أرباح شركات التبغ ونجاحها في استقطاب أعداد جديدة من المدخنين، يتعامل الجميع مع هذا المستهلك البائس وفقا لنظرية: (لم يضربه أحد على يده)، لذلك يقنع المدخن نفسه بأن زيادة السعر ليست إلا عقوبة (عقوبة مخففة) على ما اقترفته يداه بحق صحته و صحة الآخرين، وهكذا اختلت علاقة المستهلك بالسلعة التي يشتريها، فأصبحت زيادة السعر ظاهرة شبه سنوية!. والطريف أن مستهلك السجائر لا يستطيع اتباع نهج بقية المستهلكين المحللين الذين يردون على رفع أسعار بعض السلع بإطلاق دعوات لمقاطعتها على شبكة الانترنت، فالتدخين هو الذي لا يحتاج إلى مقاطعة مؤقتة بل قطع دائم، ولذلك لا يقال بأن فلانا من الناس قاطع السجائر بل قطعها قبل أن تقطعه من الحياة. ومثلما لا يستطيع الوعي العام للمستهلكين التمييز بين جهود مكافحة التدخين كسلوك مدمر لصحة الإنسان، وبين السجائر كسلعة استهلاكية موجودة بكثرة في الأسواق، فإن المدخنين أيضا يفتقدون إلى أدنى درجات الوعي الاستهلاكي، فالغالبية العظمى منهم تضع أنفسها رهينة لدى ماركات معينة من السجائر، بعض المدخنين مستعدون لتغيير أسمائهم ولكنهم غير مستعدين لتغيير نوع سجائرهم المفضلة.. مهما ارتفع السعر!. [email protected]