تناول الأستاذ عبد الله الشريف «المدينة» (24/9/1430ه) ما نقلته من استدلالات على أن تقبيل الحجر الأسود لا أصل له في الشرع، وهو أمر يرده العقل قبل النقل، وأن تقبيل الأحجار والأشجار والتمسح بها والاعتقاد في نفع الأضرحة وقبور الأنبياء، كل هذه المعتقدات الفاسدة جاء الإسلام بنبذها واقتلاعها من جذورها، وأنزل الله في هذه المعتقدات حشدا من الآيات مثل قوله تعالى: {إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا}. وقلت إن تقبيل الحجر الأسود والتمسح به والاعتقاد في أنه يضر وينفع لا يخرج من عمومات النهي عن الشرك وحبائله، ثم نرى الناس يتركون هذا الحشد الهائل من الآيات وعمومات الشريعة ويلهثون خلف خبر آحاد منسوب إلى عمر بن الخطاب أنه قال: (أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك)، وهذا القول المنسوب إلى عمر إنما هو خبر آحاد، وخبر الآحاد ظني الدلالة يعمل به في فروع العبادات مثل الصلاة والزكاة ولا يؤخذ منه حكم في العقائد، إذ العقائد لا تحتمل الظن، فالحديث إذن مردود من هذه الجهة، ومردود أيضا إذا كان مناقضا لصريح العقل كما قاله ابن حجر في النخبة (45). فالرسول طاف بالبيت في حجة الوداع ومعه مائة ألف من الصحابة، فأي عقل يقبل ألا يرى الرسول يقبل الحجر إلا شخص واحد هو عمر، ولذلك ذكر ابن النجار في الكوكب (2/356) بطلان الخبر (لو انفرد به مخبر واحد فيما تتوافر الدواعي على نقله وقد شاركه خلق كثير)، وقال نحوا من ذلك القرافي في التنقيح (355) والآمدي في الأحكام (1/41) وآل تيمية في المسودة (268) وكافة أئمة الفقه وأصوله. ولقد نسب إلى الرسول عليه السلام ما هو أدهى وأمر، وقالوا إنه أثنى على آلهة قريش اللات والعزى ومناة وامتدحها بقوله: (تلك الغرانيق العلا وأن شفاعتهن لترتجى)، فالرسول على هذا القول الباطل أثنى على الأصنام ونسب إليها النفع بقبول شفاعتها عند الله يوم القيامة، من يشري مثل هذا القول؟! أما ما احتج به الشريف من أن تقبيل الحجر قد تناقلته الأجيال وأصبح في حكم ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فهذه حجة ساقطة واهية لأنه كم وكم من المعتقدات الفاسدة والبدع والخزعبلات المخترعة في الدين قد توارثتها الأجيال حتى جاء الحق وأبطلها، ولقد ندد القرآن بحجة توارث البدع هذه التي قالوا عنها: {..إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون}. والقول بأن تقبيل الحجر الأسود أصبح في حكم المعلوم من الدين بالضرورة فهذه حجة باطلة أيضا، لأن المعلوم من الدين بالضرورة قبل أن يصل إلى هذه المرتبة يكون له أساس من الدين، فإن من المعلوم من الدين بالضرورة مثلا أن صلاة الفجر ركعتان والمغرب ثلاث، فهل هذا الحكم جاء هكذا من غير أساس؟! كلا، بل كان أساسه تعليم جبريل للرسول صبيحة عودته من الإسراء والمعراج، فأي أساس عند الشريف في تقبيل الحجر الأسود غير ما نسب إلى عمر، وهو خبر يدحضه ما هو أقوى منه من الحجج العقلية والنقلية؟ أما ما قاله الشريف من أن لا أحد من المسلمين حتى الجهلاء منهم يعتقد أن الحجر الأسود أو أحجار الكعبة تضر وتنفع، وأنهم لا يقبلون هذا ولا يطوفون بهذا القصد، فهذا تناقض غريب من الشريف، لأنه يحتج بحديث عمر، وحديث عمر فيه أن هذا الحجر يضر وينفع كما قاله علي بن أبي طالب لعمر، وأن نفعه أنه يأتي يوم القيامة شافعا له عند الله، أورد ابن حجر في الفتح (1015/1567) عن الحاكم أن علي سمع الرسول يقول: (يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد)، أي توحيد هذا يا أستاذ عبدالله الشريف؟! الثابت عن الرسول عليه السلام أن القرآن يشفع وأن سورة كذا تشفع، فهل تضعون كلام الله وقرآنه في منزلة حجر؟! ويقول الشريف إن الناس لا يقبلون الحجر لذاته، أوليس هذا هو ما كان يقوله الناس في الجاهلية؟! (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) ولقد خلط الشريف بين تقبيل الحجر الأسود والطواف خلطا منكرا، وقال إنه على هذا المنوال ينبغي ألا يطوف الناس بالبيت لأن هذه أحجار أيضا، وهذه مغالطة كبيرة، لأن الطواف فيه نصوص كما قال تعالى:{..وليطوفوا بالبيت العتيق}. وفيه حشد من الآيات وأقوال وأفعال الرسول، وليس ثمة ذرة واحدة من هذا الحشد جاء في تقبيل الحجر الأسود. ويتهمني أخيرا الشريف بأني أدلس على الناس وأذكر حشدا من المراجع وأنسبها إلى أهل العلم مع أنهم على خلاف ما أدعيه، وهذه فرية ليس من عادات الأقلام المرموقة الانزلاق إليها، فإن المراجع التي أذكرها كلها موجودة في المكتبات، بل وتدرس في جامعاتنا. مع أني أكبر في أخي الشريف روح المناظرة النزيهة والمجادلة الصريحة والمناقشة الموضوعية بعيدا عن التراشق بالألفاظ مثل عبارة (خالف تعرف)، فمثل هذا لا يعود بأي فائدة على الناس، وإنما الذي ينفع غير الحجر الأسود!! هو مقارعة الحجة بالحجة وتفنيد الأدلة ودعمها أو بيان ضعفها وترجيح ما هو أقوى، ولقد أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم، فهل ثمة ضير في أن يقبل الناس الحجر الأسود، مع أن السجود أكبر من التقبيل في قاموس العبادة، ليس ثمة ضير في ذلك، إذا توفرت الحجة وقام الدليل، إذ الكل من عند الله وفي طاعة الله. فاكس: 6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة