يعتري المشهد السياسي السوداني توجه نشط نحو الجنوب في شكل زيارات ومؤتمرات ولقاءات بل واتفاقيات، مع انحسار واضح للزخم السياسي في الخرطوم، التي بات حراكها انعكاسا لما يجري في جوبا. أبطال المسرح السياسي في جوبا، هم خليط من السودانيين والأمريكيين والافارقة، لكن كل الموضوعات سودانية وتمتد من دارفور إلى الجنوب نفسه. وكانت أبرز العناوين في مطلع الأسبوع الماضي، حول الترتيبات المصاحبة لانعقاد ملتقى القوى المعارضة في جوبا، والذي جرى تأجيله إلى السادس والعشرين من الشهر الحالي، إذ لم يحظ بتوافق كامل حتى بين أهل المعارضة، بينما تعرض الملتقى إلى هجوم ضار من حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي قال إنه محاولة للإطاحة بالنظام، بينما أعلن الحزب الاتحادي الديموقراطي عدم المشاركة فيه. والرجل المحوري في لقاء المعارضة هو مبارك الفاضل المهدي، الذي انشق قبل سنوات من حزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي غير المتحمس لانعقاد هذا المؤتمر، طالما أن عرابه هو ابن عمه المنشق عنه مبارك الفاضل. ومع ذلك، فقد كان الصادق المهدي في جوبا خلال التحضير للملتقى، لكنه كان في مهمة أخرى تمخضت عن توقيع اتفاقية بين حزبه الأمة القومي والحركة الشعبية، تناولت إلى جانب التأمين على ضرورة إجراء انتخابات نزيهة، أمورا أخرى في علاقات مرحلة ما بعد الاستفتاء، الذي قد يسفر عن دولتين في السودان الحالي، ينبغي أن تحكمهما علاقات طيبة، تراعي المصالح الحيوية للشعب المنقسم، حسبما ورد في وثيقة الاتفاق بين الأمة القومي والحركة. جوبا كانت أيضا مسرحا لمفاوضات مضنية بين طرفي الحكم (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) بوساطة أمريكية، فشلت في التوصل إلى اتفاق على موضوعي الاستفتاء والتعداد، إذ طالبت الخرطوم بأن تكون نسبة الأصوات الحاسمة للاستفتاء 75 في المائة من جملة الذين يحق لهم الادلاء بأصواتهم، فيما أصرت الحركة الشعبية على أن تكون النسبة 50 في المائة زائد واحد. كما أن الخرطوم ترى أنه يحق لكل الجنوبيين، بمن في ذلك الذين في الشمال التصويت، لكن الحركة ترى أن يقتصر ذلك على من هم في الجنوب فقط. وأخيرا فقد كانت جوبا، المنشغلة أيضا بهموم هجمات جيش التمرد الأوغندي، على موعد آخر مهم تمثل هذه المرة، في زيارة نادرة لها من قبل زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض الدكتور حسن الترابي، الذي أم صلاة الجمعة الأسبوع المنصرم في أحد مساجد المدينة ذات الأغلبية المسيحية، وتناولت محادثاته مع الحركة، إلى جانب التنسيق بينهما، الحل في دارفور. يبقى من المهم مراقبة الأوضاع لرؤية حصاد كل هذا الحراك النشط، وإلى أي مدى استفادت الحركة الشعبية من هذا الزخم السياسي، وما إذا كان ذلك سيصب في صالح موقفها من الصراع الذي يبدو أنه يتصاعد مع شريكها في الحكم حزب المؤتمر الوطني.