افتقد الوسط الإعلامي في مكةالمكرمة في رمضان هذا العام، واحدا من أبرز الوجوه الإعلامية والثقافية؛ هو الإعلامي والمؤرخ هاني ماجد فيروزي، الذي انتقل إلى رحمة الله قبل سبعة أشهر من الآن، وبوفاته فقدت أسرة الفيروزي عامودا من أعمدة الأسرة. وللفيروزي ملامح إنسانية تشع نورا لعل من أبرزها تواصله مع أفراد الأسرة، وفي الوقت الذي بات مقعد الراحل على سفرة الإفطار فارغا إلا أن صور إنسانيته التي تقطر حبا، ونماذج تواصله ما زالت ماثلة يستعيد ذكرياتها عدد من أفراد الأسرة. ولد الفتى المكي هاني فيروزي في رجب من عام 1367ه، في حي جرول التاريخي في منزل والده الشيخ ماجد فيروزي، الذي كان أحد قيادات إدارة مياه عين زبيدة التي تمثل واحدة من أقدم العيون التاريخية في مكةالمكرمة والتي تخدم الحجاج والمعتمرين. تلقى دروسه الأولية في مدارس مكة ما بين العتيبية وحي الششة، إلى أن التحق بقسم التاريخ في كلية الشريعة في مكةالمكرمة، ثم عمل موظفا في المجال المالي في مؤسسة النقد، ثم موظفا في أحد البنوك في مكة، ومشرفا إعلاميا لأمين العاصمة المقدسة، ومديرا لمطابع رابطة العالم الإسلامي حتى عام 1425ه، وكان يدير في الوقت نفسه مؤسسة خاصة في المجال الإعلامي. يقول نجله المهندس ماجد: أبرز ما يميز شخصية الوالد، الجانب الإنساني من خلال المداومة على التواصل مع أفراد الأسرة والزملاء والأصدقاء في الوسط الفكري والإعلامي، وأذكر أن من عادة والدي في رمضان أنه يشتري بنفسه كميات كبيرة من الخبز المكي المشهور «الشريك بالسمسم» ليقوم بتوزيعها على إخوانه وبناته وأحفاده وشقيقاته وأرحامه يوميا خلال الشهر الفضيل. ويضيف: والدي علمني حب مساعدة الآخرين وقضاء حوائجهم، وكان كثيرا ما يردد المثل «أخدم الغريب قبل القريب» هذا جعل للوالد شبكة كبيرة من العلاقات الاجتماعية من داخل المملكة وخارجها، وأذكر أن ممثلين مشهورين مثل علي المفيدي وإبراهيم الحربي كانا يزوران الوالد. وعن برنامج الراحل اليومي يقول ابنه: كان والدي من عشاق تناول شاي الصباح مع والدتي وعادة ما يقضي ما بين 6 إلى 7 ساعات يوميا في مكتبه الذي يعتبر مملكته الخاصة، حيث يعيش مع الكتب ويستقبل زملاءه وأصدقاءه، فكانت المكتبة التي تضم أكثر من عشرة آلاف عنوان مظلة تجمع والدي بعشاق القراءة والبحث العلمي. يتوقف ماجد عن الحديث ليطلق تنهيدة، إذ تعرض لأزمة قلبية بسبب معاناة من ضعف المناعة لاستئصاله الطحال حيث كانت وفاته في 4/1/1430ه. وكشف الفيروزي أن من أبرز وصايا والده إصراره على إكمال شقيقتي لتعليمها في أستراليا في تخصص طبي، وجعل المكتبة وقفا لله تعالى أمام طلاب العلم، وأذكر من الأحاديث الأخيرة للراحل قوله «تركت لكم محبة الناس والسمعة الطيبة ولم أترك لكم مالا». بندر أحمد سيف (ابن شقيقة الراحل هاني فيروزي) روى جملة من المواقف التي ما زالت عالقة في ذاكرته عن خاله يقول: لم أعرف أحدا في الأسرة أكثر تواصلا من فقيدنا الغالي، فكان يتابع والدتي لمدة عام وهي مريضة سواء بالحضور أو الاتصال حتى وهو خارج المملكة، وكان كثير التواصل مع زملائه، كما أنه يحمل مهمة إنسانية هي الإصلاح بين الناس، أما في مجال العمل فأذكر أنني عملت معه في مطابع رابطة العالم الإسلامي التي طبق فيها «سعودة» الوظائف، وقد لمست منه معاملته لي كمعاملة أي موظف آخر، حتى إن كثيرا من الموظفين لم يكتشفوا سر القرابة إلا بعد أشهر عدة من العمل، كما أنه كان شديد الحرص على أداء العمل، حتى أنه لم يسمح لي بحضور مناسبة خاصة ومهمة جدا بسبب إصراره على متابعة خبر خاص لصحيفة محلية كانت تطبع في مطابع الرابطة لطبعتها الثانية. ويضيف: إدارة الراحل كانت تعتمد على تدوير الوظائف والموظفين، فكان يعشق أن يكون لديه الموظف الشامل الذي يستطيع أن يتنقل من قسم لآخر عن طريق التدريب داخل الأقسام. ويروي بندر جوانب مهمة في حياة الراحل هو إصراره على تناول الإفطار أول أيام رمضان في بيت والدته، ثم يقوم بإعداد جدول لتوزيع الإفطار بين منازل الأسرة، وأذكر أن الراحل كان يغضب من قيام العمال بتقديم القهوة والشاي للضيوف في أية مناسبة، حيث كان شديد الحرص على استقبال الضيوف بنفسه على بوابة منزله وقيام أبناء الأسرة بمراسم الضيافة. الأديب المعروف الدكتور عبد الله باشراحيل، قال في معرض حديثه عن علاقته بالراحل فيروزي: عرفت هاني فيروزي منذ حداثة العمر، وكنت ألمَحُ جهاده ومجاهدته لتحقيق الأثر الأخلاقي في مجابهة الجهل الإنساني، يحاول أن يغرس نبتة الفضيلة، في عالم يصطخب في متاهات الغربة. يضيف: حينما نتذكَّرُ هاني فيروزي، نذكر قيمة أدبية رسمت بقدرها وقدرتها صورا تشعُّ بأنوار الفكر المضيء على سواد البصائر، يستفتح بالذي هو خير، وينأى عن هزيمة النفس عندما يتجرأ عليها الزمان بالغفلة ويحيطها بالرهبة، تلك هي آثاره التي نقرأها في بقايا رحلته الدنيوية تحملها إلينا ألفاظ قلمه المحيَّرة على صفحات كتبه التي ستظل صفحات مشرقة استكتب فيها تجاربه، وخبرته، وثقافته المليئة بشتى أنواع العلم والمعرفة. ويضم مكتب الراحل فيروزي الواقع في فناء منزله في حي العوالي الراقي 60 درعا تكريمية تتناثر فوق أرفف مكتبته العامرة بصنوف الكتب، بيد أن كتب التاريخ والجغرافيا والحضارة والآثار كانت الأكثر حضورا. الفيروزي أب لثلاث بنات وولد وله من الأحفاد عشرة، هو أحد الرواد المكيين في مجال أدب الطفل والصحافة الفنية والحركة الكشفية والمسرح وكُتاب المنلوج، وهو عضو في أكثر من 12 اتحادا وناديا وجمعية تاريخية وصحافية وأدبية، وأصدر أكثر من 11 دليلا سياحيا لكبريات مدن المملكة، وقدم 28 برنامجا للإذاعة وأكثر من 42 منلوجا وله تسعة مؤلفات منشورة، إضافة إلى أربعة كتب تحت الطبع.