لم نستطع أن نتقن فن الصمت الباسم في نهار رمضان وفقدنا اللياقة في تعاملنا مع البعض، ولعلي لا أثير الغرابة إذا قلت إن البعض يتعمد العبوس وعقد الحاجبين لفرض الهيبة في طريقة تعامله وتنهار أخلاقه أمام هفوة صديق أو زحمة طريق وكل هذا لأن المزاج معطل مؤقتا بسبب لسعة الجوع ... وكأني به نسي أن الصيام فيه سر العافية، وأن الروح الزكية ترتوي من خشوع الصمت ودعاء الرب الغفور الرحيم. فلماذا لا نستنير بالصيام عن الكلام البذيء الذي يخرجنا عن إطار فن الحديث وحلاوته وجمال عباراته؟ فهل هناك أجمل من لسان صام عن التبرم ؟ يعرف كيف ومتى ينطق بأرق الحروف ويرسم بسمه تترجم الإحساس الروحاني في هذا الشهر الفضيل. إننا بحاجة إلى طاقة إيمانيه تعلمنا كيف نحول أخطأ الغير إلى هفوات غير مقصودة ونرد على هفواتهم بالتسامح والحلم المحمدي. لسنا أمام منعطف صعب الاجتياز، وحاول أن تتقن فن تذليل المشكلات بالحلول السليمة وأناقة اللفظ ورقة التعامل لنكون ترجمان حروف الرسول صلى الله عليه وسلم (الدين المعاملة) ونتفاعل مع أحساس ومشاعر الآخرين بأمانة وتهذيب، ونحافظ على قدسية مشاعرنا في قلب صومعة، ونتجاهل كل ما يخدشها، ولا نجعل صيامنا وقيامنا خبرا ضائعا في حلقة سطحية تعاملنا مع البعض. أجزم بأن المجتمع له خمائل روحية رقيقة لكنها فقيرة الألوان الهادئة لم تدرك أن سر الراحة النفسية في الابتسامة تعيش جفاف الخريف بسبب ضغوط الحياة اليومية، تغفو على خيبة الروتين القاتل وهذا هو السبب الذي يضخم غضبنا من توافه الأمور ويشعرنا بالعجز عن فهم ذاتنا. نعم نحن بحاجة للصيام عن الكلام لأننا لم نعرف طعم الذوق الرفيع في تعاملنا ولم نشتاق للتفاؤل ولم نتحسس مشاعر من هجرناهم، فالمجتمع يحتاج إلى تجديد الألفة في المعاملة وصفاء النية وطيبة القلب، ويتعلم كيف ينتقل من لغة الإحساس إلى لغة التحدث بمهارة الأصالة والاتزان في التعامل سواء في رمضان أو باقي أشهر السنة.