ثنائية القصور والرغبة في إلغاء الآخر، تجعل صاحبها مصابا بما يشبه عمى الألوان فلا يرى إلا بالأسود و الأبيض، وينصب ذاته حامية للخير و يبيح لها إزالة كل ما يعتبره مختلفا معها. وهذا يقود إلى مظهر جوهري، وهو أن العمليات الانتحارية ليست صنيعة روحانية، بقدر ما هي علة لها شروطها النفسية. ويعني بهذه تلك المتفاعلة مع الأنساق المحيطية للفرد. فالآن ينظر إلى العمليات الانتحارية على أنها نتيجة دافع عقائدي، ولتغييب هذا المنحى، يتعين تحييد المنبع العقائدي. بيد أن المتحلقين حول هذه الفكرة يتجاهلون حقائق التاريخ الذي لو عدنا إلى إضباراته، لوجدنا أن أول استشهادي عربي كان قوميا من الطائفة المسيحية وهو جول جمال في عمليته الشهيرة أثناء العدوان الثلاثي على مصر. وحتى في أوروبا نفسها، في القرن التاسع عشر، كانت العمليات الانتحارية للعدميين تعكر صفو هذه المجتمعات التي من المفترض ألا توجد فيها ممارسات كهذه على اعتبار أنها صنيعة الفكر العقائدي. هنا، نتقاطع مع منطق أعرج حين يعتبر الفرد أن العنف هو لغة التخاطب الأخيرة الممكنة مع الواقع ومع الآخرين، إذ يتقمصه العجز عن إيصال صوته بوسائل الحوار الإقناعي والاقتناعي، ويترسخ القصور لديه بالفشل في انتهاج الاعتراف بكيانه وقيمته كذات منتجة للتواصل الاجتماعي أو السياسي. فإن كان العنف هو الوسيلة الأكثر شيوعا لتجنب العدوانية التي تدين الذات الفاشلة بإلحاح، من خلال توجيه هذه العدوانية إلى الخارج على نحو مستمر، أو دوري، وكلما تجاوزت حدود احتمال الشخص للإخفاق الذي يسمه كخصلة لصيقة. لايعدو تبني العنف توصيفيا إلا أن يمثل سلوكا مشوبا بالقسوة والعدوان والإكراه، وفي ثناياه التفسيرية سلوك يجانب التحضر والتمدن، توظف فيه الدوافع والطاقات العدوانية توظيفا صريحا بدائيا، كالضرب والتقتيل للأفراد، وتدمير الممتلكات واستخدام القوة لإكراه الخصم وقهره سواء كان مصدره فرديا أو جماعيا. حالة عبدالله العسيري، إنكفاءة ذاتية تجاه مكتسبه الشخصي بمساراته التغريرية، إنه نظر للحياة التي عاشها ولم يتطلع للمستقبل، وهو بالقطع لم يفكر في تكوين أسرة، التي هي رمز لديمومة الحياة. لكن استنادا لتحليل مقابلات تلفزيونية أو تسجيلية مكتوبة أجريت مع منفذي عمليات ظلوا على قيد الحياة، نجد أن غالبية هؤلاء لم يرغبوا في الموت أصلا، إذن، فالأمر ليس قناعة راسخة بقدر ما هو غياب الرؤية الواقعية المتمرحلة بعد تغذيته بما جنح به. الصواب لم يجانب أرباب الطب النفسي حين أقروا أن زيادة السلوك العدواني لدى أشخاص يعانون من اضطرابات عضوية معينة، كمثل السلوك الانفجاري لدى مرضى الصرع ونوبات الهياج الفصامي وبعض الاضطرابات الكروموزومية، وخصوصاً تعدد كروموزومات الذكورة . كما بينت أبحاث الهندسة الوراثية عدة تشوهات نفسية متصاحبة مع مظاهر السلوك العدواني. بيد أن وجود هذه الإضطرابات لا يعني ضرورة ظهور المظاهر العدوانية على نحو سافر، فهناك حاملون لها دون مظاهر أو أعراض. رهط من الناس يقعون في خطأ وجود دوافع تشجع الفرد على ممارسة العنف ضد الغير، بيد أنهم لا يفهمون حال ممارسته هذا العنف على ذاته. لذلك فإنهم يميلون إلى اعتبار العنف الموجه نحو الذات نوعا مختلفا من العنف الموجه ضد الغير، وهذا هو الجهل بعينه. فإيذاء الذات يقع في لحظة لا يكون فيها الشخص راضيا عن نفسه. وبكلمات أخرى، يظل عرضة للانشطار بين الأنا وبين الذات المعنوية والجسدية. وهذا الانشطار يحول الذات أول مرشح لأن يتلقى غرائز الأنا العنيفة. [email protected] للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبد أ بالرمز 242 مسافة ثم الرسالة