•• صوته القديم اخترق أذنيَّ بحديث وجدان خافت بداخلي.. حين حكى لي قصته قديماً كان يريد تفسيراً للحظة صفاء سرت في عروقه.. خلاصة كلامه؛ أنه مرَّ بحالة انتشاء كانت مثار قلقه في حينها.. يقول: استيقظت مبكراً ولكني هذه المرة كنت أشعر بذرات روحي تعود إليَّ.. أحسست براحة بال لم أعهدها من قبل وكأني عصفور الفجر.. أحضرت سجادتي وصليت واستغفرت وسبحت وهللت. •• مثل هذه النفحات الإيمانية التي تمنحنا سيولاً جارفة من تأنيب الضمير على ما مضى؛ تجعلنا أكثر اقتناعاً أن الرب سبحانه ينادينا من السماء.. تجعلنا نفتح نوافذ الحوار مع ذواتنا تقرباً إليه سبحانه بعد أن ذرفنا دمع الشكوى من آلام تداهمنا فوق آلام البشر.. تجعلنا نشعر بالانقباض خوفاً من عقابه إن لم نحمده على نِعمه.. ومن شذ منا شذ في النار. •• لست أدري عن سبب اضطراب صديقي النبيل في ذلك الوقت، فحكايته تبعث على التفاؤل.. قلت له: لماذا الانزعاج يا صديقي؟!.. لقد بدأت خيوط دفء الرحمن تتسلل إلى ذرات روحك تريد غسل كل شيء.. انبلجت في وجدانك روائح فجر جديد مع الله.. هذا الانتشاء يا صاحبي إنما هو بداية ضوء شديد البياض تسربل بصمت إلى نفسك الزكية كشمس تعانق ندى الصباح. •• حكاية ذلك الصديق القديمة لا تزال طرية في رحم ذاكرتي أسترجعها كلما هبّت رياح نفسي الأمارة بالسوء.. ذلك الذي كان تائهاً حتى الثمالة؛ أصبح بعد نفحات الرب له يستهم على الصف الأول خلف الإمام.. حوَّله كر حبات مسبحته التي كان يحملها في يده إلى صوت حنون إلى أقصى درجات الحنان.. رحمك الله صديقي الطبيب الحاذق المتدين.. أنتم السابقون ونحن اللاحقون.