إذا كان ظهور البترول للملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- عندما كان يبحث عن الماء في أرض المملكة، ووصول قافلة إسماعيل بن مبيريك من رابغ محملة بمختلف المؤن من التمر والسمن والبر.. إلخ، عندما كان مخيماً في محلة (الشهداء) بظاهر مكة حين نفد ما لديه من مؤن وأقوات من صور التوفيق لهذا القائد العظيم ونجاح مشروعه الوطني، فإن انفجار الطائرة المعادية التي كان مخططا لها أن تنال منه -رحمه الله- أثناء حصار جدة من أنصع تجليات هذا التوفيق الإلهي، فقد جهزت هذه الطائرة بمدفع رشاش، وتمت تجربتها، ولم يكن لدى المؤسس قوات جوية آنذاك، ولكنه عندما علم بأمرها لم يتخلّ عن مشروعه الوطني في بناء وطنه وإنسانه، ولم يزد على قوله -رحمه الله- "يكفينا الله شرّها"، ما يدل على الشجاعة المنقطعة النظير وقوة التوكل على الله. لقد حلقت الطائرة فوق مخيم الملك وحامت حول أكبر سرادق في المخيم، حيث يجلس الملك عبدالعزيز وخاصته، وكان الوقت -كما يذكر الزركلي- قبيل الظهر، ومن في الطائرة يرى من في الأرض بالعين المجرّدة، وكان مع قائدها شاب أعرفه، روى لي من تمنى له النجاح في مطار جدة قبل قيام الطائرة، أنه رآه يحمل قنبلتين من اللواتي تقذف باليد؛ وسمعه يقول: سألقيهما على رأس عبدالعزيز. ولم يكن بين الطائرة ورأس ابن سعود أكثر من مئات الأمتار، وقد أحكم القائد استهداف السرادق، وهيأ الرشاش وإحدى القنبلتين، ولكن التوفيق يقظ، فإذا القنبلة تنفجر في الطائرة، وإذا بالنار تشتعل في الجوّ وتهوي الطائرة، ثم تصبح ومن فيها كومة من الرماد أمام خيمة عبدالعزيز. يختم خير الدين الزركلي مناقشة هذا الموضوع في "وجيزه" قائلاً: "وبعدُ؛ أفليس ما تفتّح لعبدالعزيز ابن سعود من مكنون الأرض ذهباً ونفطاً من التوفيق؟، أليس هذا الأمن الذي عم الجزيرة من التوفيق؟ عبدالعزيز موفق لا ريب.. وما التوفيق إلا رحمة من الله".