فقدك يا أمي أكبر من كلماتي، كيف أرثيك والدمع ما زال في المآقي والكلمات تتلعثم في كتاباتي يا أم النجباء. كنت نسمة دارنا ونبض قلوبنا.. وشرايين أوردتنا.. ومهجة حياتنا.. وبلسم روحنا.. يا أم قد ولت وما برحت أصداؤها في الروح تختلج لا لم تمت فالموت ليس لمن تحيا على نبضاتها المهج في ليلة وداعك الأخير كنا جالسين معك والبشر يتهلل من وجهك والرضا يملأ روحك ونفوسنا بعدما رأيناك قد شفيت تماماً من مرضك وأنت تتحدثين مع الصغير والكبير، لم نكن نعلم بأنك ستتجهزين لشيء آخر وعالم غير عالمنا وآخرة غير دنيانا. وقبل الفجر كانت منيتها ما كان يوم الردى عنها بمحبوسي لكن عزاءنا أن روحك الطاهرة قبضت وأنت تسبحين الله وتذكرينه بعدما صمت الأيام البيض في شهر وفاتك وصليت العشاء والوتر في تلك الليلة، وليختار لك الخالق، سبحانه صباح الجمعة موعداً للانتقال إلى رحمته والحرم المكي الشريف مكاناً للصلاة عليك بجموعه الغفيرة وبعد الجمعة المباركة لتحظي روحك الطاهرة بشرف الزمان والمكان. صلى الملائكة الذين تخيروا والطيبون عليك والأبرار ان كنت غبت عن دروب حياتنا يا اماه الا انك ستظلين تضيئين وجداننا وتمتلكين احساسنا وتتربعين في افئدتنا فأنت يا اماه ملء العين والفؤاد. وما أجمل الشاعر الذي قال في الأم روضة الطهر كم تعلمت فيها كيف أسمو على غثاء فضولي (خيمة) تبعث الامان بروحي تزرع الدفء في شتاء رحيلي (قبة) تحت سقفها كم غدونا وحدة الحب في زمان الذهول شمس عمري وأي شمس ستضوي بعد أن غبت أظلم الصبح حولي آه يا أمي كم سهرت لننجح.. وكم تعبت لنرتاح.. وكم ضحيت لنسعد.. وكم كابدت وعانيت وتحملت المشاق لأجلنا. الأم في ليل المكاره شعلة والأم ينبوع لكل فخار والأم وان بخل الجميع كريمة وعطاؤها متواصل الأمطار ذهبت يا أماه ونار الحزن في نفوسنا لا تخبو وليس لنا سوى التسليم والرضا والصبر بقضاء الله وقدره ولا نقول إلا ما يرضي الرب، لله ما أعطى ولله ما منع، إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا أماه لمحزونون، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }. حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار كنت مثالاً رائعاً يحتذى في شيم النساء ولا نزكيك على الله، تقية مؤمنة محافظة على صلاتك في وقتها حريصة على الصيام والصدقة، نقية السرية، محبة للخير والناس. يا سائلي عن فقد أمي عفواً لا تطالبني الجواب إن حزني اليوم أكبر من دموع العين تنساب من سيمطرني بالدعوات بعدك وبعد والدي - رحمكما الله - إنني فقدت بابين من أبواب الجنة، ولكني لم أفقد عفو ربي ورحمته التي وسعت كل شيء، واني داع فأمنوا معي عسى الله ألا يريكم مكروها، اللهم لا تحرمني الاجتماع معهما في جنانك على سرر متقابلين ونور قبرهما، واغفر لهما كما ربياني صغيراً، واجزهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً، وأنزلهم منازل الصديقين والأنبياء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، واجعلهم في الفردوس الأعلى من الجنة، واسقهم من نهر الكوثر وأفسح لهم في قبورهم ونورها عليهم وآنس وحشتهم بها، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واجمعنا بهم في مستقر رحمتك في الجنان مع أقاربنا واحبابنا وكل مسلم يا رب العالمين، وأعنا على ما أعنتهم عليه يا مجيب الدعاء.. ولله الأمر من قبل ومن بعد {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }. ( قمة التسامي: أن تبتسم وفي عينيك نهر من الدموع، وقمة الصبر، أن تمشي بين الناس راضياً وفي قلبك جرح يتكلم، وقمة الألم: أن تفقد من تحب وقمة الحب: أن تدعو بصدق دائماً لمن فقدت، وقمة الوفاء: أن يتواصل برك وإحسانك لكل الناس).