أجل، لقد أثبتت تلك الأحداث الجسام، أن كل من تغطّى بإيران هو في الحقيقة عريان تماماً، فهذه سوريا التي ارتمت (طوعاً) في أحضان الدولة الخمينية لعقود، ووثقت فيها ربما أكثر من ثقتها في نفسها، وفتحت البلاد على مصراعيها لمخابراتها وجواسيسها وعملياتها القذرة، من تجارة مخدرات وغسيل أموال وزواج متعة وتآمر على الدول العربية، لاسيَّما جاراتها الأقرب إليها، العراقولبنان. فعاثت في الأرض فساداً. وقد رأينا كلنا كيف كان يتصرف قاسم سليماني بأمره، وكأنه رئيس حتى على رئيس الدولة نفسه. وأكثر من هذا: ذهبت سوريا بعيداً جداً في توطيد علاقاتها بالدولة الصفوية وترسيخها، لدرجة تعاونها معها في حربها ضد العراق لثماني سنوات عجاف؛ دونما أدنى اعتبار لحقوق الأخوة وصلة الدم والعقيدة، بل حتى دون خوف من الله، ناهيك عن وضع أي اعتبار لبقية الدول العربية، أو حتى للنخوة والمروءة اللتيْن ينبغي على كل حاكم مسؤول الاتصاف بهما، لأنهما يمثلان أضعف الإيمان من صفات القيادة لكل من يتولى شأناً عاماً، فضلاً عمَّن يفترض أنه قائد أمة. طالما قدمت السعودية النصح مراراً وتكراراً لسوريا في وقت مبكر لكي تقفز من مركب إيران قبل أن تغرق، فتعود إلى أحضان أمتها العربية. ولم يقتصر دور السعودية تجاه سوريا على إسداء النصح فحسب، بل تعداه إلى الدعم المادي والمعنوي في كل المجالات، والتأييد لمصالحها الوطنية في المحافل الدولية.وإذ فعلت السعودية ذلك وما تزال تفعل، وستظل تمارس أداء واجبها بكل مسؤولية تجاه سوريا وسائر إخوتها في العروبة والإسلام، لأنها أعرف الدول بإيران ومعتقداتها وأطماعها وغاياتها التي تنشد تحقيقها على حساب الأمة العربية مجتمعة، دونما استثناء لحليف مصطنع هنا، أو حليف ساذج هنالك، سال لعابه لدولارات إيران أو أرهبته عمائمها، وما تلوح به في وجهه من عصا غليظة. وكان بدهياً أن تكون نتيجة ركوب الرأس والمكابرة والعناد، هذا الواقع المؤسف حقاً: حرب ضروس ومؤامرات وفرق ومذاهب شّتى، يضرب بعضها رقاب بعض، وعصابات تنهب ثروات الشعب لأكثر من عقدين في العراق؛ حوَّلت المواطن العراقي، الذي كانت بلاده تسبح في بحر من النفط، وتظللها أشجار النخيل التي تنتج نحو مليون طن من التمور سنوياً، ويرتوي أهلها من مياه نهري دجلة والفرات العذبة. أقول تحول المواطن العراقي بسبب إيران إلى متسول يبحث عمَّا يسد به الرمق، ناهيك عن الصحة والتعليم، وانفراط عقد الأمن بعدما تحوَّلت البلاد إلى فوضى عارمة، وشاع فيها القتل على الهوية، إضافة إلى ما عانى منه عراقيون كثر من تعذيب وحشي يرق له حتى الحجر الأصم، تجاوز مرحلة الأذي الجسدي لامتهان الكرامة الإنسانية التي كفلها الخالق عزَّ و جلَّ لعباده. واليوم جاء الدور لبتر اليد التي طالما ساعدت الدولة الصفوية لفرض هيمنتها على العراق، فذهبت حكومة سوريا غير مأسوف عليها، لأنها صكت آذانها أمام كل النصائح والتحذيرات من هذا المصير المحتوم، التي قدمتها لها الدولة السعودية من غدر الدولة الخمينية، لكنه العناد الذي أعاد إلى (الأسد) اسمه القديم (…) الذي كان يعرف به في عشرينيات القرن الماضي؛ بعد حرب ضروس استمرت لأكثر من عقد، لا تقل شراسة وضراوة عمَّا حل بالعراق، حولت معظم الشعب السوري إلى نازحين ومهاجرين عبر مراكب الموت إلى (الحلم الأوروبي) فانتهى المطاف بأغلبهم ليكون طعاماً للأسماك والحيتان في البحار والمحيطات. وهكذا الحال في لبنان (سويسرا الشرق) الذي استعصى جرحه الغائر على كل طبيب، إذ تحوَّل معظمه إلى خراب، نتيجة مكابرة عملاء إيران وغرورهم، وتهديدهم للسلطة الشرعية، بعدما أصبحوا دولة داخل الدولة، وتأجيج نيران الفتنة بين مكونات الشعب اللبناني المتباينة تبايناً صارخاً يعد سلاحاً ذو حدين؛ يمكن للعقلاء توظيف هذا التباين الغني والتعامل معه بحكمة لتغليب الجانب الإيجابي لمصلحة الجميع، بمن فيهم عملاء إيران أنفسهم؛ كما فعلت السعودية في مؤتمر الطائف عام 1989، الذي نجح في وضع حدٍّ لأقبح حرب أهلية شهدها لبنان عبر تاريخه. على صعيد آخر، ليس ما أحدثته إيران في اليمن الذي كان ذات يوم سعيداً ببعيد، وما نجحت في تحقيقه في الصومال، بعد أن حوَّلت البلاد إلى أشلاء يقاتل بعضها بعضاً، وفي … وفي … حتى بعض دول أمريكا اللاتينية لم تسلم من خبث الصفويين وعبثهم، وإن كان تركيزهم الأساسي على هلاك الأمة العربية. وإذ أسوق هذا الحديث اليوم، أعلق الجرس في رقبة أولئك المغرورين بعمائم إيران، الذين تحوَّلت بلدانهم إلى (SCRAP) بعدما كانت غنية نابضة بالحياة والجمال، نتيجة ركوبهم موجة إيران؛ مذكِّراً إياهم بما قاله وزير بريطانيا الأشهر، ونستون تشرشل: (لا عداء دائم في السياسة، ولا صداقة دائمة.. بل مصالح دائمة) فمصالحكم الدائمة هي في العودة إلى حضن أمتكم العربية. وعليه أتمنى صادقاً أن تكونوا قد وعيتم الدرس، وإن كان الثمن باهظاً. لكن مع هذا، فثمَّة وقت لتصحيح المسار، وإن كان متأخراً، واستيعاب الدرس جيداً، للإقلاع عن حضن الدولة الصفوية، حتى لا تظلوا عراة إلى الأبد. فاليوم الكفة الراجحة الثابتة الراسخة في المنطقة كلها للسعودية، الدولة الراشدة القوية بالله، لأنها تنشد الخير للجميع، وليس لديها أطماع في اي بلاد أخرى، ناهيك عن أن تطمع في إخوتها في الدم والعقيدة. فسياستها واضحة معلنة للجميع منذ تأسيسها: لا تتدخل في شؤون الغير، ولا تسمح لهذا الغير بالتدخل في شؤونها، أيَّاً كان هذا الغير، صاحب عصا غليظة أو جزرة شهية. بل تسعى السعودية جاهدة لتطوير كل دول المنطقة، وليس أدلَّ على هذا من وعد قادتها لتحويل دول الشرق الأوسط إلى أوروبا القادمة. وهو ليس حديثاً للاستهلاك الإعلامي كما يفعل كثير من قادة الدول، بل قول يؤكده العمل، فها هو ولي عهدنا القوي بالله الأمين، أخي العزيز صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، يؤكد في لقاء له مع الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي عهد البحرين، رئيس وزرائها: (نحن في المملكة العربية السعودية طموحنا ما في شك أن ننهض. لكن نعرف أننا لا يمكننا أن ننهض إذا لم يكن وضع دول الجوار مميز مثلنا، فلا بد أن نعمل مع جيراننا لكي نتأكد أن وضعهم يتحسن وفي أفضل تميز…). أرأيتم: يسعى قادة السعودية للنهوض بجيرانهم، وليس لاستغلالهم وتدميرهم كما تفعل دولة العمائم.. فهل من أذن واعية؟!.. أتمنى ذلك.