الإدارة العامة للتعليم بمنطقة جازان تحتفي باليوم العالمي للغة العربية 2024    الشرع: سورية منهكة ولا تمثل تهديداً لأحد    طارق السعيد يكتب.. السعودية أرض الحلم واستضافة كأس العالم    العالمي يزيد الراجحي يسعى لتحقيق لقب بطولة السعودية تويوتا في رالي جدة للمرة الرابعة    رئيس مجلس الشورى يلتقي رئيس مجلس الشيوخ الباكستاني    بلدية الشماسية تنفذ تجربة "الاسفلت البارد" في طرق المحافظة    فيصل بن مشعل يستقبل العميد العبداللطيف بمناسبة تكليفه مديرا لمرور القصيم    استشهاد أسير فلسطيني داخل سجون الاحتلال نتيجة التعذيب    آل سيف تدفئ شتاء أدبي جازان ب«رسائل متأخرة»    «الداخلية» تحتفي بيوم الشرطة العربية    وزير العدل يوجه بتدشين مقر دوائر دعاوى الأخطاء المهنية الصحية بالمحكمة العامة بالرياض    "بر الشرقية" تستعرض تجربتها التطوعية بمركز التنمية الاجتماعية بالدمام    محافظ الطائف يلتقي رئيس وأعضاء جمعية ساعد للبحث والإنقاذ    بيشة: إطلاق «30 دقيقة» لتعزيز رياضة المشي    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    أمير القصيم يرعى ورشة عمل إطلاق التقرير الطوعي لأهداف التنمية المستدامة في بريدة    استشارية نمو وسلوك: الدليل الإرشادي "الحياة مهارة" يعزز السلامة والصلابة النفسية للأطفال    الذهب يتعافى من أدنى مستوى في شهر بعد قلق تباطؤ خفض الفائدة في 2025    «التجارة» تضبط 6 أطنان مواد غذائية منتهية الصلاحية بمستودع في جدة    «زِد» الملقبة "شوبيفاي العالم العربي" تكشف عن رؤية 'التجارة المتكاملة" المبتكرة لتمكين قطاع التجزئة في حدث إطلاق منتجاتها السنوي 'ريبل 2024'    محافظ بدر الجنوب يستقبل مدير عام فرع الأمر بالمعروف    مركز صحي نشيان بقطاع النماص الصحي يُنفّذ "التوعية بداء السكري"    «الإحصاء»: 97.4 % من سكان المملكة قيموا حالتهم الصحية بشكل جيد وأعلى    المياه الوطنية توضح لعملائها مزايا وآلية توثيق عدادات المياه    صحة الحديث وحدها لا تكفي!    "عِلم" تختم مشاركتها في مؤتمر "سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية"    إسرائيل تقصف عشرات المواقع في صنعاء    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة    أمير القصيم يرعى الملتقى الأول للعناية بالمكتبات الخاصة    الأهلي يستعيد كيسيه أمام الشباب    عريان.. من تغطّى بإيران    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسترالي    التويجري: طورنا منظومتنا التشريعية في ضوء مبادئنا وأولياتنا الوطنية    هل يعيد ملتقى ImpaQ تعريف مفهوم المؤثرين كقوة دافعة للتغيير ؟    نور الرياض يستقطب أكثر من ثلاثة ملايين زائر    أنشطة ترفيهية    شتاء طنطورة.. أجواء تنبض بالحياة    «مباراة ودية» تنتهي بفكرة دورة الخليج بمباركة خالد الفيصل ومحمد آل خليفة    صيني يدعي ارتكابه جرائم لشعوره بالملل    حفل تكريم للزميل رابع سليمان    البلاد تودع الزميل عبدالله سلمان    مطعم يطبخ البرغر بنفس الزيت منذ 100عام    5 أطعمة تمنع تراكم الحديد في الدماغ    آمال جديدة لعلاج مرض الروماتيزم بمؤتمر طبي    الإقليم بعد سوريا.. سمك لبن تمر هندي!    في روشن الصدارة اتحادية.. نخبة آسيا الصدارة هلالية.. ومقترح تحكيمي    مركبة ال (72) عامًا بجناح حرس الحدود في (واحة الأمن) .. أول دورية برية ساحلية    رغم التحديات إدارة الشعلة الجديدة مستمرة للعودة    ريال مدريد يتوّج بكأس القارات للأندية عبر بوابة باتشوكا المكسيكي    بغض النظر عن تنظيم كأس العالم!    ضغوط الحياة.. عدو خفي أم فرصة للتحوّل؟    هل تنجح سوريا في مواجهة التحديات الهائلة    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان "الحفاظ على مقدرات الوطن والمرافق العامة من أهم عوامل تعزيز اللحمة الوطنية"    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    جمعية رتل بنجران تطلق التصفيات الاولية لجائزة الملك سلمان بن عبدالعزيز    الأمير تركي الفيصل يفتتح مبنى كلية الطب بجامعة الفيصل بتكلفة 160 مليون ريال    محافظ محايل يلتقي مدير المرور الجديد    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التداوي بالذكريات
نشر في عكاظ يوم 28 - 09 - 2016


كنت أتحدث مع الدكتور محمد فؤاد داغستاني دكتور التخدير الشهير، والدكتور ياسر محمد دحلان طبيب الجهاز الهضمي الحبيب، الذي دائماً أناديه بالسيد لأنه سيد في نسبه وخلقه وعلمه.. قادنا الحوار إلى الحديث عن التعليم وكيف نجعل الشباب يقتنعون بجدوى وأهمية التعليم في هذا الزمان الذي أصبح فيه الشاب يعيش ليلاً لا تتمخطر فيه نجمة على صفحة حياته.. شباب تعبوا من تعبهم.. تعبوا لكثرة ما يقرؤون ويشاهدون عن متعلمين وخريجين بلا وظائف يركضون طوال الوقت.. يركضون من اللحظة التي يستلمون فيها المؤهل.. تشعر بالشفقة عليهم تحسبهم كأطفال التوحد يهيمون في عالمهم الافتراضي مع «اللابتوب» الذي لا يفارقهم والسماعات التي يحشرونها في آذانهم 24 ساعة وأحياناً ينامون وهي معلقة كحبل الغسيل على شرفة في بناية قديمة.. كان حواراً مهماً.. نحن شعب لا نتحاور إلاّ قليلاً وإن فعلنا وفتحنا نوافذ الحوار ذرفنا دمع الشكوى على كل شيء وهذا ليس حواراً إنه تمرين ابتدائي على الانتحار البطيء، فالحوار لا يعني أن تشتكي من الخدمات المقدمة لك وينتهي الأمر.. الحوار لا يعني أن تتحدث ليسمعك الآخر موافقاً.. الحوار لا يعني أن يتحدث الجميع في الوقت نفسه وحول الموضوع نفسه من دون أن يشذ أحدهم بكلمة.. خوفاً على حياته على اعتبار أن من شذ.. شذ في النار.. استكملنا الحوار.. خطرت في بالي حادثة بلون ذاكرتي تتصل بموضوع الحوار، حكاية مختلفة ضمن حكايات كثيرة لا تزال طرية في رحم ذاكرتي استرجعتها لهم كتقنية «الفلاش باك» التي تستخدم في الأفلام، كانت الحكاية والموقف مع والدتي «نورة»، رحمة الله عليها، إذ ذهبت إليها يوماً أطلب منها مساعدتي في أن ألتحق بمجموعة تقوية لمادة «الجبر».. كنت أحدث والدتي في ذلك الشأن خجلاً لمعرفتي بواقع حالنا المادي الرديء.. لاحظت على ملامحي خوفي المبهم وشعوري التام بالانقباض، كان التأثر والتردد في الطلب بادياً على وجهي.. قالت لي بنغمة فيها الكثير من الصدق والثقة والتلقائية بعد أن أمسكت بيدي وضغطت عليها بحنو لا تقلق «بكره ربنا يفرجها» وفي اليوم التالي استدعتني وكانت في يدها صرة خضراء من القطيفة ملفوفة على شيء ما.. قالت لي هذه أساوري الذهبية اشتراها لي والدك رحمة الله عليه اذهب بها إلى سوق «الصوغ» اذهب إلى دكان عمك «معتوق طلاقي» الصائغ، وكانت أسرة الطلاقي تربطنا بهم قرابة أسرية، سلمه الأسورة سيعطيك مبلغاً من المال عند عودتك سأشرح لك بقية التفاصيل.. داهمتني سيول جارفة من الألم.. كانت آلامي فوق آلام كل البشر في تلك اللحظة.. ألم لا يحتمل أحسست أني أختنق. أحسست أن الدنيا همّ.. أي عذاب أكثر أن تبيع والدتي أغلى ما تملك لتنفقه على تعليمي.. كان الشعور المسيطر علي وأنا أتجه نحو دكان الصائغ مزيجا من الانقباض التام والتوتر.. وقفت بصعوبة أمامه وخطوت خطوات مرتبكة خفيفة نحوه.. سألني عن اسمي ففعلت ثم تسربت من شفتيه ابتسامة مبهمة وهو يتسلم مني الأساور وينقدني المبلغ.. عدت بالنقود لوالدتي خائفاً.. تائهاً.. متسائلاً.. أي حزن هذا الذي سيلفك للأبد لقاء ما فعلت!! استلمت مني النقود.. تأملت وجهي ثم أكملت تكر حبات المسبحة الخشبية في يدها الواحدة تلو الأخرى.. في اليوم التالي استدعتني ومدت لي يدها بالنقود.. نكست رأسي وأنا أمد يدي..كان حزني بادياً يكاد يقتلني.. انساب صوتها همساً هادئاً في أذني.. صوتاً حنوناً لأقصى درجات الحنان.. لا أحد مثلها.. نبع حنان صافٍ كنت أعب منه حتى الثمالة.. لا يشاركني فيه أحد.. قالت لي «لا شيء يعلو على قيمة التعلم عندي».. من بطن ذلك الضيق والإحساس بالمسؤولية خرجت إلى عالم النجاح ونجحت وبتفوق وتنفست الصعداء أنني لم أخذل والدتي.. أحسست أن الحياة أعطتني في ذلك اليوم فوق ما أتمنى. ركضت إليها مبشراً.. احتضنتني بحنان بالغ وضمتني لصدرها ثم تنفست بعمق قائلة «قلت لك أنت رجلي الصغير».. كانت تلفظها بنغمة خاصة.. ومرت الأيام وظلت تلك الأساور الغائب الحاضر في ذاكرتي.. ذاكرتي لم تعد تسع غير ذلك الموقف الذي دائماً يشعل حرائق لا يطفئها سوى رغبتي الحثيثة في استعادة تلك الأساور عند تخرجي.. وبأي ثمن.. ومنحني «الوهاب» فرصة شراء ما يقارب من تلك الأساور بعد عودتي من أمريكا رغم تلك السنين.. رغم بعادي.. رغم غربتي.. رغم تغير الأشياء والبشر كان الفكر يتجه نحو تلك الأساور حتى حصلت عليها ووالدتي على قيد الحياة. يقول أحد الحكماء «أفضل أن تعطيني وردة وأنا على قيد الحياة من أن تضع باقة ورد على قبري».. ما أن حصلت عليها حتى طرت بها لها من دون تأجيل.. تأملت الأساور ثم أخذت تطيل التأمل في ملامحي.. قالت لي «هذه لا تشبه أساوري».. قلبي كان يعتصر من إجابتها.. قلت لها لكنها قريبة منها.. مدت لي يدها وبها مفتاح الخزنة وعلى شفتيها ابتسامة شقية قالت لي «افتح الخزنة وأرني ما ستجده فيها».. بعد أن فتحت الخزنة وجدت نفس الأساور ملفوفة في القطيفة الخضراء.. تسمرت في مكاني.. تخشب كل شيء في جسدي.. في نظراتي.. في لساني.. ثم استجمعت شجاعتي كلها وقلت بطريقة حاولت أن تكون طبيعية هل أعدت شراءها.. قهقهت تلك المرأة التي كنت أطلق عليها «رحمة» لأنها تشبه المطر.. ألا تقولون لبعضكم «مبروك عليكم الرحمة» كانت والدتي رحمة شقيقة المطر لأن الرحمة هينة لينة شفيقة رقيقة رطبة وناعمة ووالدتي كانت كذلك.. رحمها الله.. أكملت «اتفقت مع الصائغ أن يوهمك أنه اشترى منك الأساور ويعطيك المبلغ الذي أعدته له مرة أخرى واستعدت الأسورة في اليوم التالي دون علمك حتى ألقنك درساً لا شيء أثمن من التعليم».. حتى أسورتي قالتها وجعلتني كمن ارتدى نظارة طبية بعد فترة طويلة من قصر النظر!! كانت مدرسي ومدرستي.. وكان لي شرف الدراسة!! رحمك الله يا أمي.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.