«آنّا ماري روبرتسون».. العجوز التي أصبحت فجأة من أشهر الفنانين عند سن السبعين؛ عاشت بعدها 31 عاماً كفنانة تشكيلية مرموقة، وعن سبب تأخرها قالت: «زوجي الراحل أخبرني أنني لا أصلح إلا للمنزل ولتربية الأبناء فقط! وكنت صغيرة فصدقته ولم أخالفه كي لا أفشل! وبعد وفاته قادت الصدفة أحدهم ليرى لوحاتي الفنية المتراكمه على جدران منزلي»، فجاء عام 2006 التي بيعت إحدى لوحات «روبرتسون» ب102 مليون دولار، وتُعرض حالياً كمقتنيات في متحفي «اللوفر» في باريس و«بلازا» في نيويورك. هذه القصة تجرني للحديث عن «التلاعب العقلي»، الذي يعد من أخطر الأمراض الاجتماعية، إذ يدخل العلاقات الإنسانية بتأثيراته النفسية، وقدرته على تزييف الحقائق وقلب الأحداث، وخلق ساحة للجدال والشك، في محاولة لمسح الحقائق وتهميشها، وإثارة الجدل في لغو لا مخرج منه سوى خلق شعور الذنب لدى الطرف الآخر، وهدم الثقة، وزعزعة النفس، ورفع إحساس التأنيب، وجلد الذات، والتفكير الدائم للتعويض، والتفكير بالعطاء اللامتناهي عن هذا الذنب غير الموجود أصلاً، ليصل المتلاعب إلى شعور الرضا الذي يدفعه إلى المزيد من التلاعب بالناس لما فيه مصلحته. وقد استخدم علماء النفس الكثير من التعريفات لشخصية المتلاعبين بعقول الناس، أدقها كان مصطلح «الإضاءة الغازية» (Gaslighting)، وتحدث عنه الكاتب «روبن ستيرن» في كتابه «تأثير ضوء الغاز»، للإشارة إلى نوع من التلاعب العقلي من خلال زعزعة الثقة والتشكيك في العلاقات بالآخرين، بما في ذلك الثوابت الدينية والوطنية والأسرية والعمل، وتصل أحياناً إلى العلاقات الزوجية. ولمعرفة كيفية الدفاع عن نفسك وبيتك ومجتمعك؛ هناك عدة نصائح لتجنب التلاعب بشتى أنواعه، بداية من تحديد علاقتك مع المتلاعب، ومعرفة حقوقك، والتشكيك في كل ما يقوله أو يفعله، وعدم قبول آرائه، والقدرة على الثبات النفسي، وتحليل المواقف بهدوء (قدر المستطاع). وعلى الرغم من جميع هذه الحلول إلا أن المتلاعبين يعدون من الشخصيات صعبة الانهزام، وهنا يعتبر الابتعاد هو الحل الأخير والأمثل إن لزم الأمر. وأكاد أجزم أن كل شخص منا قد واجه مثل هؤلاء المزيفين على الأقل مرة واحدة في العُمر، وإن اختلطت علينا صفاتهم في البداية ولكن تظهر لا محالة في مرحلة معينة من العلاقة.