في منشأة الجمرات ووسط جموع الحجيج التي ازدحمت لرمي جمرة العقبة الكبرى شاهدناه وقد امتلأت عوارضه شيباً يدفع عربة مسن آخر، كانا يسلكان الطريق ويتعرفان على معالمه وكأنهما يستنشقان عبقه الزاكي بعيداً عن ضجيج المكان وصخب اللحظة. استوقفناهما لنسألهما عن علاقتهما فاكتشفنا أنهما أَخوان من دولة باكستان جمعتهما رحلة العمر نحو حج بيت الله الحرام بعد انتظار طويل للقرعة التي جاءت منصفة لهما أخيراً. الكبير الذي كان يجلس على الكرسي المتحرك قال لنا بعربية ضعيفة: «هذا أخي الأصغر، وجئنا سوياً لنحج بيت الله الحرام بعد أن طال انتظار القرعة وكأنها تنتظرنا لنشيب معاً، ونترافق بعوارضنا البيضاء ومفاصلنا التي أنهكها الدهر». أما أخاه الأصغر، الذي كان يقف مبتسماً في الخلف ممسكاً بالعربة المتحركة، فقال ضاحكاً: «هو اليوم هنا، وبعد قليل سيحين دوري ليدفعني هو بنفسه». وعن رحلة الحج وكيف كانت تجربتهما، قالا في حديث مشترك: إنهما لم يصادفا ما يعكر صفو حجهما، بل كانت جميع الأمور ميسرة ومسهلة وكان تعاون الجميع معهما حسناً بتوفير الخدمات لهما وتقديم العون والمساعدة متى ما تطلب الأمر.